+ -

 كتبتُ من قبل عن هذا الموضوع في منشورات موجزة على شبكات التواصل الاجتماعي، أردتُ أن أبعث بها رسائل لمن يهمه الأمر، خاصة عندما أرى من الطاقات العلمية التي نزخر بها مما يتمناه أي بلد واع، فأردت أن تكون صيحة تحذير، تحت شعار: “لا تقتلوا أسودكم فتأكلكم كلاب أعدائكم” (وإن كان قياسا مع الفارق).فلماذا المشارقة يظنون أن الجزائر من الناحية العلمية الشرعية، تحتاج إلى زيارات وزيارات، ولا يوجد بها علماء؟ هي ظاهرة تتكرر في كل مناسبة، ما يدفع إلى فضول الملاحظة، ومراجعة النفس والممارسة.من أوصلنا إلى هذا الحال؟ من أغمر علماءنا، من شوّه صورتنا؟ من بخس بضاعتنا؟ من أخّر حكماءنا وقدّم سفهاءنا؟... هي تساؤلات مؤلمة، لكن لابد من تشريحها، والوقوف عند أسبابها ومسبباتها. ولعل في التشخيص إشارة إلى التحصين، وليس من قبيل جلد ذات، ولا الوقوف على الأطلال، وإنما فكًا للأغلال من حصار الأنذال.أقول وبالله التوفيق، إن هناك عدة أسباب ساهمت في إيجاد هذه الظاهرة والتسويق لها: -ننبهر بكل غريب، خاصة من صنعهم الإعلام، أو زكاهم السلطان. -طيبتنا في احترام الغريب والإفساح له في المجالس وإشعاره أنه ملك من غير ملك. -نزدري علماءنا ودعاتنا ورموزنا، ولا نعرّف بهم، ولا نفسح لهم في المجالس، ولا نكرمهم كما نكرم الغريب، ولو بنصف إكرامه. -أن من يستقبلهم للوفادة، إما مسؤولون إداريون، وإما أصحاب ثقافة شرعية، وإما أرباب أموال. -معلوماتهم عن علماء الجزائر محدودة، فهم لا يعرفون إلا: ابن باديس، الإبراهيمي، ومالك بن نبي. -لم يتح لعلمائنا من الفضاءات الإعلامية العالمية ما أتيح لهؤلاء، بل للأسف حتى الفضاءات الإعلامية الوطنية نرى تصدّر الإداريين للواجهة فقط، إلا ما رحم ربي من انفلت بقوة الحاجة والضرورة.-الطعن في بعضنا، وتبخيس بضاعتنا، والتشهير بأخطائنا التي يقينا أنها تنغمر في بحر صوابنا. -القابلية للتأثر والتقليد، بكل كلام أجنبي، والتكبير على كل كلمة ولو قال لهم: جزاكم الله خيرا، لأني لم أفهم من لهجتكم شيئا. -غياب الملتقيات العامة والمجالس العامة إلا الجمعة، والدليل على ذلك عندما يكون هناك إعلان مسبق وترويج إعلامي مرفق، ترى الحضور أكثر من المنتظر. -غياب التحفيزات المادية، والرعاية السامية، وإعطاء للضيف المحلي محله من التقدير والتبجيل ما يستحقه، ما يجعل العامة تزهد فيه ولا تنظر إليه.وتعدّ هذه ظاهرة مرضية في كل المجتمعات التي يتصدّر مشاهدها العامة، ويكرّم فيه صاحب السلطان على صاحب القرآن، ويقدّم فيها الأغنياء على الأولياء، والسفهاء على الحكماء. وهي حقيقة تاريخية، أن العود في بلده من جملة الحطب... وأنه ما من نبي بعث في قومه إلا وعودي أو أوذي.* أستاذ الشريعة والقانون بجامعة وهران

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات