+ -

 قيل عنه أنه رجل المهام الصّعبة من دعاة تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية وأحد أقطاب النظام الاشتراكي في القارة السمراء، كان أول رئيس لجمهورية مالي المستقلة حكم بلاده مابين سنتي 1960 و1968.

موديبو كايتا من مواليد سنة 1915م في مدينة باماكو، زاول دراسته الأولى في مسقط رأسه ثم في العاصمة السنغالية داكار، وبعد إنهاء دراسته اشتغل في مجال التعليم وأظهر رفضه للسياسة الاستعمارية الفرنسية في ظرف ميّزته الهيمنة الفرنسية على دول غرب إفريقيا.

بدأ النضال السياسي ضمن نقابة المعلمين في مرحلة أولى قبل أن ينخرط في العمل السياسي المباشر والإفصاح عن معارضته للسياسة الفرنسية وعبّر عن ذلك من خلال مقالاته في المجلّة التي أسّسها سنة 1943 رغم المضايقات التي تعرّض لها وسجنه لعدّة أسابيع واصل كايتا نضاله وأعلن ميله للفكر اليساري.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ترشّح موديبو للجمعية التأسيسية باسم الحزب الديمقراطي السوداني، وبعد إنشاء التجمع الديمقراطي الإفريقي (RDA) تولّى كايتا وظائف تنفيذية قبل أن يصبح رئيس بلدية باماكو العاصمة.

وفي منتصف الخمسينات من القرن الماضي ومع محاولات فرنسا احتواء المناضلين الأفارقة والسماح لهم بحمل حقائب وزارية حمل كايتا حقيبة وزارة الخارجية في مالي في حكومتي بورجيس مونوري وحكومة فيليكس غايار، لينتخب بعدها رئيسا للجمعية التأسيسية لاتحاد مالي سنة 1960.

وبعد الاعتراف باستقلال جمهورية مالي أصبح موديبو كايتا أول رئيس لها، عمل كايتا على تطوير بلاده وفق النهج الاشتراكي، ورغم ميولاته الاشتراكية زار بريطانيا وحضي بتكريم رسمي كما زار الولايات المتحدة الأمريكية والتقى الرئيس كينيدي.

مساندته للثورة الجزائرية:

انطلاقا من قناعاته النضالية ورفضه للهيمنة الاستعمارية الفرنسية لم يتأخّر موديبو كايتا عن مساندته للثورة الجزائرية التي اعتبرها رائدة تحرير إفريقيا وقد صرّح كايتا قائلا: إنّ الثورة الجزائرية والفيتنامية هي رمز للتحرّر في العالم وليس في إفريقيا فقط، وقبل أن يصبح رئيسا لمالي ربط اتصالات مع زعماء أفارقة من أجل دعم الثورة الجزائرية، وحين ترأس مالي فتح الحدود أمام حركة نقل الأسلحة وإيصالها إلى جيش التحرير الوطني عبر الجنوب، ولم يكتف كايتا بفتح الحدود لنقل الأسلحة بل ساند الثورة سياسيا بإعلانه الاعتراف بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في رسالة بعثها إلى الرئيس فرحات عباس جاء فيها: "قررت حكومة جمهورية مالي الاعتراف بأن السلطة الوحيدة التي لها الحق في تمثيل شعب الجزائر هي الحكومة المؤقتة التي تتشرفون برئاستها''.

موديبو كايتا بعث برسالة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة حملها ممثل مالي في الأمم المتحدة شهر سبتمبر 1960 أكّد فيها على ضرورة التعجيل باستقلال الجزائر الذي هو مطلب الدول الإفريقية المستعدة لقطع علاقاتها مع فرنسا من أجل ذلك.

وعلى الصعيد المحلي وجّه موديبو كايتا المجتمع المالي والتنظيمات السياسية للقيام بتجمعات شعبية لصالح الثورة الجزائرية، وكان ينسّق مع صديق الثورة الجزائرية الطبيب المارتينيكي فرانز فانون وكلّفه بنقل رسائل للزعماء الأفارقة حول دعم ومساندة الثورة الجزائرية، كايتا ظلّ يدعو إلى إيجاد حلّ للقضية الجزائرية في كلّ المؤتمرات الدولية إذ ألحّ في مؤتمر الدار البيضاء سنة 1961 على ضرورة تجنّد كلّ الدول الإفريقية لدعم الثورة الجزائرية.

الرئيس المالي ولتسهيل عملية نقل السلاح عبر بوابة الجنوب سمح بتأمين الطريق من وسط إفريقيا مرورا بالحدود المالية الجزائرية إلى غاية المراكز التي أقامها جيش التحرير الوطني على طول الشريط الحدودي مع مالي بمساعدة السلطات المالية مثل مركز كيدال وأقلهوك وتساليت.

موديبو كايتا كان له موقف مشرّف عندما طرحت فرنسا ورقة الصحراء كمناورة سياسية حيث رفض رفضا قاطعا أن تكون الصحراء فرنسية قائلا إن الصحراء جزائرية وعلينا دعم السكّان المحليين للانخراط في العمل العسكري والسياسي مع جبهة التحرير الجزائرية لإجهاض المشروع الفرنسي. ورغم الضغوطات الأجنبية على حكومة كايتا الفتيّة، إلاّ أنه واصل دعمه لاستقلال الجزائر التي ظلّ وفيّا لها حتى بعد استقلالها إذ وقف مع الجزائر أثناء الاعتداء المغربي على حدودها فيما يعرف بحرب الرمال سنة 1963 وتوسّط بين الجزائر والنظام المغربي وساطة سمحت له بنيل جائزة لينين للسلام.

أطيح بموديبو كايتا سنة 1968 عن طريق انقلاب عسكري قاده موسى طراوري، وتوفي كايتا في المعتقل سنة 1977.