+ -

عندما يحين موعد الحديث عن عضوية المكاتب التنفيذية للهيئات القارية والدولية والإقليمية، تطفو إلى السطح منطقيا آليات القدرة على تبوّء المنصب، من منطلق قناعة راسخة تميل إلى حقيقة ثابتة بأن "التصويت" في فضاء الجمعية العامة لمثل هكذا ترشيحات لن يكون، في يوم "الانتخاب"، سوى "تحصيل حاصل".

إعلان الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم بصفة رسمية قائمة المرشحين لعضوية مكتبها التنفيذي عن 5 مناطق، منها منطقة اتحاد شمال إفريقيا، تجعل الرأي العام الجزائري يهتم أكثر بالانتخاب، لوجود اسم الجزائري جهيد عبد الوهاب زفيزف، رئيس الفاف، ضمن الأسماء التي تريد تبوّء المنصب، حتى يصبح زفيزف، النائب الأول السابق لرئيس الاتحادية الأسبق محمد روراوة، ثاني جزائري يحوز على مقعد بأعلى سُدّة صُنع القرار على مستوى الهيئة الكروية القارية.

وإذا كان الكشف عن المترشحين يُعطي الانطباع بأن حظوظ الجزائري هي 50/50 مع المترشح الليبي عبد الحكيم الشلماني، فإن "حقيقة الانتخابات"، المبنية أصلا على المصالح والتكتلات و "اللوبيينغ"، لِما للمقعد والصوت من "وزن" في ترجيح كفة القرارات، خاصة المهمة منها، على مستوى المكتب التنفيذي للكاف، فإن "الخلاصة"، بالمفهوم البسيط، لقياس حظوظ ممثل الجزائر في الفوز بالمقعد، تعتبر أكبر مغالطة قد تُفضي إلى "صدمة" أخرى بعد صدمات متكررة هزت الجزائر قبل وبعد عهدة أو عهدات محمد روراوة، الذي يبقى الجزائري الوحيد الذي "نجح" في حجز مكانة مع "أصحاب القرار"، سواء في الكاف أو الفيفا أو الاتحاد العربي، أو حتى اتحاد شمال إفريقيا الذي يتم رئاسته بمنطق التداول بين أعضائه.

وما قد يخفى ربما على الرأي العام أن "خطاب الإقناع" لحشد الأصوات ما هو سوى "إجراء كلاسيكي" لذر الرماد في العيون، ولترك الانطباع يسود بأن ثمة "ديمقراطية" على مستوى الهيئات الكروية للوصول إلى سُدّة صُنع القرار، بينما الحقيقة الثابتة والمتوارثة والمنتشرة في الواقع أن "عملة التعامل"، غير المعلن عنها بين الفاعلين في فضاءات الجمعيات العامة للهيئات الكروية، ترتكز أساسا على لعبة "خُذ وهات"، أو بمعنى أوسع.. لعبة "المصالح".

 

لعبة "خُذ وهات" في قضية "اللوبيات"

 

وحين نقف عند المعطيات التي تسبق انعقاد الجمعية العامة العادية للكاف، في دورتها 45 المقررة يوم 13 جويلية المقبل في كوتونو بالبنين في تمام العاشرة صباحا (بتوقيت البنين)، حسب ما ورد في بيان الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، فإننا "نصطدم" بقوة "المؤثرين" في أصوات الأعضاء الـ54، وأبرزهم العضو المغربي فوزي لقجع، صاحب عضوية المكتب التنفيذي للكاف بصفته عضو مجلس الفيفا، والذي "لا يخدمه" منطقيا وجود جزائري بجانبه لقيادة الكاف أو التأثير في قراراتها وأعضائها.

وبما أن منافس جهيد زفيزف يملك أسبقية من حيث "الأقدمية" في المكتب التنفيذي للكاف، وهو الذي "يزن" صوتُه ذهبا حين يحين موعد التصويت على مستضيف "كان 2025"، وهو تصويت يدخل ضمن صلاحيات المكتب التنفيذي للكاف وليس الجمعية العامة، فإن لعبة "خُذ وهات" قد تنطبق على الثنائي لقجع والشلماني، فالأول يقدّم له ضمانات في "حشد أصوات أعضاء الجمعية العامة لمنحه أصواتهم أمام منافسه الجزائري على مقعد المكتب التنفيذي للكاف، على أن يمنحه الثاني ضمانات بمنح صوته لملف المغرب خلال عملية اختيار أعضاء المكتب التنفيذي للبلد الذي سيحصل على تنظيم "كان 2025".

ما كسبته الجزائر مع محمد روراوة من مكانة على مستوى دوائر صُنع القرار على مستوى كل الهيئات، القارية والإقليمية والدولية، لم يسبق أن كسبتها قبله ولا حتى بعده، ولم تشهد إطلاقا في العهد السابق استراتيجية رياضية دولية، ما أفقد وقتها تلك المكانة قوتها وفعاليتها وديمومتها، بما يبرز "حِنكة" روراوة وتمرسه وعلو كعبه، وهي مواصفات لم يكن ينقصها سوى "خارطة طريق" بأهداف واضحة المعالم حتى تكون الجزائر أقوى على الدوام، حتى في حال رحيل روراوة.

 

هكذا ضاعت حظوظ الجزائر في استعادة مكانتها بين الكبار

 

تغييب الاستراتيجية الرياضية الدولية على المستوى الجزائري، وعدم الارتكاز، بعد روراوة، على شخصية بنفس كفاءته وقوته وشخصيته، نقل مكانة الجزائر قاريا من النقيض إلى النقيض، فأصبح "أيّ كان" يتحكم في مقاليد تسيير أكبر اتحادية رياضية بأبعاد استراتيجية وسياسية، ونعني بها كرة القدم، إلى درجة أن خير الدين زطشي هو الذي خلف روراوة على رأس الفاف، والذي تلقى "ضربة" في العهد السابق، جرّدته من عضوية المكتب التنفيذي للكاف لصالح المغربي فوزي لقجع (سنة 2017)، وفتحت الجزائر مع زطشي عهد الفضائح والسقوط الحرّ والتموقع "على الجانب الآخر" من "اللوبيات" و "صُنّاع القرار" على مستوى الكاف، حتى أن زطشي لم يكلّف نفسه حتى عناء الترشح لعضوية المكتب التنفيذي في 2019 بمصر، رغم أهميته الاستراتيجية، وكلّف عضو مكتبه الفدرالي عمار بهلول الذي خسر الرهان بفارق أصوات بسيط أمام الليبي عبد الحكيم الشلماني.

ويكتب التاريخ لزطشي أنه جعل الجزائر تخسر، في 4 سنوات، عضوية الكاف 3 مرات، فبعد الخسارة الأولى في 2019 بسبب "قلة الاهتمام"، ضاع المقعد للمرة الثانية بسبب "الإهمال"، كون اتحادية زطشي ضمّت أمينا عاما، وهو محمد ساعد، أرسل ملف ترشح "العضو" أيضا بشير ولد زميرلي خارج الآجال، بما شكّل فضيحة مُدوية وقتها أفضت إلى احتفاظ الشلماني بمقعده دون مقاومة، إلى أن "اهتدى" بعدها "زطشي الرئيس" إلى فكرة الترشح "شخصيا"، غير أن الرجل رأى نفسه "أكبر" من مقعد الكاف، وترشح لعضوية مجلس الفيفا، بما جعله منطقيا يتخلى عن دخول معترك عضوية الكاف للتونسي وديع الجريء، لتكون ثالث مرة تخسر فيها الجزائر مقعدا في الكاف، لسبب ثالث وهو "انسحاب المنافس"، غير أن زطشي رفع سقف طموحاته إلى درجة "أعلى منه"، واضطر إلى جعل الجزائر ترفع الراية البيضاء وتنسحب قبل انطلاق السباق، بما سمح للمغربي فوزي لقجع وللمصري هاني أبوريدة من حجز مقعدين مع "الكبار" على حساب الجزائر.

 

غياب "لغة التواصل" وقطع "التواصل" يقضي على الحظوظ بشكل متواصل

 

المرة الوحيدة بعد روراوة، التي كانت فيها الجزائر بصدد تحضير "العودة القوية"، هي الفترة التي شهدت اعتلاء عمارة شرف الدين، ولو في ظرف استثنائي، مقاليد تسيير الاتحادية، وهي فترة تزامنت مع نهاية عهد زطشي الكارثية.

ويمكن الجزم بأن الرئيس المدير العام لمجمع "مدار" جمع جملة من المواصفات التي ترشحه لإعادة الجزائر إلى الدرجة التي وضعها فيها محمد روراوة، فالرجل يُشهَد له بكفاءته الكبيرة وبأخلاقه العالية وبحنكته المتميزة، وقد خطف الأضواء بتلك "الكاريزما" وهو يربط علاقات قوية في فترة وجيزة مع "كبار" القارة السمراء، وهي علاقات حافظ عليها الرجل حتى بعدما دفعته تداعيات الإقصاء من مونديال قطر إلى ترك منصبه في الفاف، بما جعل الجزائر تختار طوعا خسارة ورقة رابحة بدفع شرف الدين إلى ترك منصبه قسرا.

وحين نستعرض أمام الرأي العام حقيقة صناعة الجزائر "استثناء" من بين 6 أعضاء في اتحاد شمال إفريقيا (المنطقة "أ") التي لا تحوز على عضوية المكتب التنفيذي للكاف، وما بلغه المغربي فوزي لقجع من مكانة في الكاف والفيفا، وهو الذي تبوّأ منصب رئيس الجامعة المغربية لكرة القدم في نهاية سنة 2013 في انتخابات أشرفت عليها لجنة الفيفا برئاسة الجزائري محمد روراوة، فإن "استنساخ" الجزائر لنفس الأخطاء، واعتمادها على "المرشح الخطأ" لولوج دائرة صُنع القرار في الكاف، لا يمكن له إلاّ أن يُنتج "فشلا مبرمجا"، كون جهيد زفيزف، الذي لا يقوى على صناعة "جملة مفيدة"، لا يمكن له، وهو "يُجرّب حظه"، قيادة الجزائر كرويا لتبوّء "مكانة أكيدة".. فإذا كان بناء "اللوبيات" يرتكز على "سلاح التواصل"، فإن مرشح الجزائر يتخبط أساسا في.. "لغة التواصل"، وقد قطع الجزائريون عهدا مع بعضهم البعض على قطع كل "سبُل التواصل" بينهم، بما يقضي على نواة إعداد العُدة لـ "كسر اللوبيات" والقدرة على التواصل، ويجعل من أيّ ترشح مجردة "مغامرة" غير محمودة العواقب.. بشكل متواصل.