حوار مع المشرفين على إعداد قاموس الثورة التحريرية

+ -

شكل إصدار "قاموس حرب الجزائر 1954-1962" حدثا إعلاميا بارزا؛ بالنظر لأصالة العمل وتضمنه معطيات في 1500 صفحة وبمساهمة 58 مؤرخا من الضفتين، وتطلب ست سنوات من العمل، وتصادفه مع إنشاء لجنة مشتركة للمؤرخين وعودة الدفء في العلاقات بين الجزائر وفرنسا. وفي هذا الحوار مع "الخبر"، حاول المشرفون على العمل الجماعي وهم على التوالي سيلفي تينو وترامور كومنور من فرنسا ووناسة سياري طنقور من جامعة قسنطينة، شرح مضمون القاموس والرد على التساؤلات.

 

استغرق انجاز القاموس ست سنوات، ما هي المعوقات الابيستيمولوجية والمنهجية التي اعترضتم وما هي خصوصية العمل مقارنة بأعمال سابقة؟

. وناسة سياري طنقور: القاموس هو الأول من نوعه المختص في حرب الجزائر، ولا يوجد له مثيل. هناك قواميس حول الحركة الوطنية والحركة العمالية مثل العمل المنجز تحت إشراف المؤرخ "روني قاليسو" والمتاح على شبكة الانترنت، لكن لا وجود لعمل حول الحرب على اختلاف مسمياتها حرب الجزائر أو حرب التحرير أو حرب من أجل الاستقلال.

كان من اللازم تدارك الفراغ أمام وجود العديد من القواميس والموسوعات حول حقب تاريخية أخرى بفرنسا، خاصة عند دور النشر المعنية على غرار موسوعة الحرب العالمية الثانية. من جهة أخرى، يجب معرفة أن إنجاز قاموس تاريخي يكتسي أهمية بالغة ويدل على وجود أبحاث جادة وكافية مع تحليلات للعديد من المواضيع لإنتاج كم هائل من المعلومات. وقاموس بهذا الحجم يسمح بالوقوف على مدى تقدم المعارف حول تاريخ معين. وتواجد العديد من الأبحاث، لا يجب أن ينسينا النقص المسجل في بعض الجوانب والحاجة لدراسة التاريخ الداخلي للولايات التاريخية على سبيل المثال، مثلما أشرنا إليه في مقدمة القاموس، وتبقى أهم معضلة هي اللاتوازن الموضوعاتي في الأبحاث.

تدويل الصراع معروف بصفة كافية ونفس الأمر بالنسبة لمسار الصراع وانعكاساته على فرنسا وتاريخها السياسي والمجتمع الفرنسي على حد سواء. كما أن تاريخ جبهة التحرير الوطني كان موضوعا لإنتاج مكثف من طرف محمد حربي وجيلبير مينيي (Gilbert meynier (. لكن يبدو أن الجانب الجزائري من الحرب يستحق توثيقا قويا باستغلال نقدي للأرشيف المنجز في الجبال أو بتحقيقات شفهية معمقة مع شهود أحياء أو وثائق محفوظة عند المعنيين أو عائلاتهم بعد رحيل ذويهم. كما أن دراسة مواضيع أخرى مثل التاريخ الاجتماعي بصفة أوسع، تساعد على فهم المجتمع الجزائري وتدوين يومياتهم وحياتهم المعاشة خلال الحرب بصفة متباينة بين الريف والمدينة أو بين الرجال والنساء، بين كبار السن والأطفال مثلا.

 

أثار القاموس على غرار كل الأبحاث المتعلقة بالماضي الاستعماري، نقاشا واسعا، وخاصة اختيار الترتيب الأبجدي وعدم إشارة العمل لبعض الأحداث الهامة وشخصيات مفصلية خلال حرب الجزائر؟

. سيلفي تينو: لم يأخذ النقاش بعين الاعتبار ظروف إنجاز القاموس، وبخصوص الترتيب الأبجدي هو أمر بديهي بالنسبة للقاموس، حتى في حالة اعتمادنا على ترتيب الملحوظات حسب المواضيع الكبيرة، لم يكن في مقدورنا الاستغناء عن الترتيب الأبجدي داخل كل صنف، فكرنا في الأمر قبل التراجع عنه لسببين أساسيين هما: أولا ما هي الأصناف الرئيسية الممكن تخيلها؟ ولا واحد، وإمكانية نقد ووضع ملحوظة في صنف دون سواه كانت دائما مطروحة.

أما السبب الثاني والأهم؛ فيكمن في جهل القارئ في أي صنف سيبحث عن الملحوظة التي يرغب في قراءتها. والمتعودون على كتابة التاريخ يدركون جيدا المشاكل التي تعترض الترتيب حسب المواضيع، بالمختصر فالقاموس يعتمد دوما الترتيب الأبجدي. القاموس يستبعد كل رقابة، نعم هناك نسيان وهو أمر وارد في كل قاموس، وتبقى مرحلة تشكيل قائمة الملحوظات هي ربما الأكثر صعوبة، خصصنا لها ساعات لا تحصى باستعمال جداول "اكسال Excel" تم إثراؤها بالتدريج في كل مرحلة.

كما يجب الإشارة لغياب بعض الملحوظات المبرمجة سالفا لعدم إنجازها من طرف المؤلفين المساهمين في العمل، دون أن يكون هذا سببا لإلقاء اللوم عليهم؛ لأن الباحثين هم أشخاص كالآخرين يتعرضون لوعكات صحية أو يموتون (نفكر بالخصوص في زملائنا عمر كارليي وجيلبير مينيي) أو إمكانية عدم الالتزام بسبب ثقل مهامهم وأعباء التدريس. ولغاية الدقيقة الأخيرة، واصلنا في إضافة ملحوظات وحررنا نحن الثلاثة الكثير منها لتدارك النقائص، لكننا لم نستطع القيام بكل شيء. في لحظة معينة، استلزم علينا التوقف لنشر العمل بعد أن بذلنا قصارى جهدنا، وهو ما يتطلب الأخذ بعين الاعتبار الظروف العملية لإنجاز هذا القاموس.

تطرق الكثيرون لغياب أحداث "20 أوت 1955"، في حين أنها متواجدة ومدونة تحت عنوان "انتفاضة 20 أوت 1955"، نفس الأمر بالنسبة لأسماء القادة التاريخيين لجبهة التحرير الوطني الواردة في القاموس، وكذلك "اللجنة الثورية للوحدة والعمل" الواردة في الملحوظة المتعلقة بمجموعة "22". هذا الأمر يعود لإشكالية عنونة الملحوظات. طرحنا عدة أسئلة حول هذا الأمر: ما هو العنوان الواجب اختياره؟ لهذا السبب أدرجنا فهرسا عاما وعمليا للملحوظات. استعملنا الإحالات في كل مرة يظهر فيها مصطلح في ملحوظة، وفي نفس الوقت كان محل ملحوظة خاصة في القاموس.. هي ذي أدوات مفيدة جدا ونشكر الناشر على هذا العمل الجدير بالاحترام.

ثم ماذا عن الفاعلين والفاعلات ذوي أهمية؟ يعجز قاموس واحد على احتوائهم على غرار العمل المنجز من طرف الزميل عمر كارليي، حول المئات من الفاعلين في الحركة الوطنية والحرب، كنا نود تخصيص ملحوظة لكل عضو من مجموعة "22"، وملحوظات لكل المدن الجزائرية الكبيرة خلال الحرب من أجل الاستقلال، وحول الفاعلين والفاعلات خلال الحرب وأعضاء جبهة التحرير الوطني ومنظمات الذاكرة الأساسية والجمعيات الجزائرية... ومواضيع أخرى يمكن أن تكون مادة لأعمال تنتظر التجسيد.

 

لماذا اقتصرت القائمة الاسمية للـ 58 مساهما في القاموس على مؤرخين جزائريين وفرنسيين دون سواهم من المؤرخين الأجانب، رغم وجود أسماء ساهمت بكتابات قيمة في إثراء تاريخ حرب الجزائر؟

. ترامور كومنور: لا نفرق بين المؤرخين من هنا أو هناك، ويبقى المهم هو نوعية الأبحاث وأصالة المصادر المستغلة، مثل أعمال جيمس دوغال ونيل ماك ماستر وجيم هاوس على سبيل الذكر وليس الحصر، وإذا تعذر على غالبيتهم مرافقتنا في العمل، هذا لم يمنع تواجد البعض منهم على غرار ناطاليا فينس (أوكسفورد) وأندريا برازوديرو (جامعة نابل الايطالية) ولا سلوناجي (جامعة زيقاد من المجر). كما أعاب علينا البعض تواجد ثلاثة مؤرخين أعضاء لجنة المؤرخين. يجب التذكير بأن طلب إنجاز القاموس يعود لسنة 2006 سابق لتقرير ستورا واللجنة المشكلة لاحقا.

لكن وللإجابة عن تساؤلكم: هو خيار ناجم عن حتمية، كنا بحاجة لمؤرخين ومؤرخات متمكنين في الموضوع، اقتصرنا على مختصين في حرب الجزائر، أمام استحالة الاستعانة بمن عملوا على فترات تاريخية أخرى. اعتمدنا على فريق مصغر مع تكليف كل واحد بتحرير مجموعة من الملحوظات، ولجأنا لبعض الاستثناءات لكن بصفة حصرية بالنظر لتداعياتها السلبية على مهمة التنسيق فيما بيننا. كان من اللازم مطالبة المساهمين الذهاب أبعد من أبحاثهم في كتابة الملحوظات. ولهذا السبب كل ملحوظة مرفقة ببعض المراجع التي تحيل على الأبحاث المستعملة لكتابتها. وتظهر المراجع المكتوبة باللغة الأجنبية. كما أن كتابة الملحوظات هو عمل صعب ويتطلب براعة، في كتابة نص قصير وموجز وواضح في آن واحد، وهو ما يفسر لجوءنا لخيار بسيط بالاستعانة بمؤرخين يتقنون الكتابة باللغة الفرنسية وذوي خبرة أكاديمية وتجنب الكلام دون معرفة، بالنسبة للزملاء الأجانب المتحكمين في الفرنسية من الأفضل لهم الكتابة بلغتهم ثم ترجمة أعمالهم عوض الكتابة بالفرنسية مباشرة. في هذه الحالة يجب إعادة كتابة تتطلب الكثير من الوقت والكثير من المبادلات للتوصل إلى صياغة نهائية قريبة من أفكار المؤلف. كل من يشتغل في مجال التاريخ ويشرف على أعمال جماعية يعرف هذه الكواليس المرتبطة بالكتابة. ومن الصعب دائما الكتابة في لغة مغايرة للغتنا، لكن في هذه الحالة كان يجب توفير ميزانية للترجمات ولم يكن هذا الأمر في متناولنا. المهم ليس جنسية المؤلفين لكن غزارة المراجع البيبليوغرافية التي لا تقتصر فقط على تلك المكتوبة بالفرنسية أو المنشورة بفرنسا. نضيف في النهاية بأن قراءة الكتابات التاريخية بمنظور جنسية المؤلفين أمر غير مستساغ من وجهة نظر مزدوجي الجنسية أو الباحثين الجزائريين من ذوي المسارات الأكاديمية الثرية التي تتجاوز البحر الأبيض المتوسط (مثال: باحث مولود في الجزائر وأنجز أطروحته بفرنسا ثم باحث في الجزائر).

 

أثارت المعطيات المتعلقة بالعنصرية وجذورها التاريخية وعدم ارتباطها بالفعل الكولونيالي، نقد المحللين؟

. وناسة سياري طنقور: الانتقادات غير مفهومة، كيف ننفي أن العنصرية تحت الاستعمار وأثناء الحرب كانت وليدة مخيال غربي يعود لفترات تاريخية بعيدة في بعض الأحيان؟ هذا المخيال ليس ذنب أي واحد، هو مخيال تراكم على فترات طويلة، لكن القاموس بمثابة كل متكامل ولا يجب أن ننسى وجود ملحوظة حول "عمليات الإبادة les ratonnades" التي تعالج مباشرة قضية العنصرية خلال الحرب. في المقابل، إذا كنا قد أدرجنا ملحوظة حول العنصرية خلال حرب الجزائر دون الإحالة للتاريخ الطويل لها، كان سيُعاب علينا نسيان هذه الفترة الطويلة، ولا شك أنه كان قد مثل نقدا أكثر حكمة.

 

هل تضمن القاموس كل المادة التي تم جمعها خلال مختلف مراحل إنجاز العمل، أم هناك مواضيع تُركت جانبا لأنها لم تحظ بالإجماع؟

. ترامور كومنور: لا يمكن الحديث عن الإجماع أو الحذف، يجب التأكيد بأننا اضطررنا للعمل حسب أجندات المساهمين ومقدرتهم على كتابة الملحوظات، مع التقيد بالمقتضيات الافتتاحية للقاموس، يمكن لمتصفح القاموس أن يكتشف بأننا تطرقنا لكل القضايا حتى المصنفة ضمن الطابوهات أو في خانة الخطيرة سياسيا. أشرنا في مقدمة القاموس إلى أننا احترمنا خيارات المؤلفين والمؤلفات حتى المغايرة لأطروحتنا، لكن المعارف المتوفرة حول الحرب من أجل الاستقلال وعلى أهميتها في الوقت الحالي، تبقى غير كافية لتغطية كل الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية؛ حيث تتطور هذه المعارف حسب المصادر المتوفرة (كل المصادر ولا الأرشيف العمومي فحسب)، وتجديد المقاربات التي تعتمد على تداخل التخصصات في مجال العلوم الاجتماعية. لهذا يستحيل القيام بعمل شامل وكامل، لكننا لم نتجنب مواضيع أو أسئلة لدواعي سياسية من أجل كتابة تاريخية منقحة.

إنجاز قاموس من 1500 صفحة هو أمر نادر الحدوث ويستحق الإشادة والتنويه، هناك القليل من الناشرين ممن يجرؤون على الخوض في مشروع كهذا. البعض من الملحوظات تفتح ورشات جديدة للأبحاث القادمة مثل تلك المتعلقة بالبيئة واللاجئين والجنازات والحيوانات... الخ. هناك إمكانية إصدار طبعات رقمية بإضافات أو مراجعات، لكن بعد توفر بعض الشروط، لأننا نحن الثلاثة لدينا ما يكفي من الملفات التي تنتظر استكمالها، لذا يجب إيجاد مساهمين لكتابة الملحوظات، مع التقيد بتقنيات الكتابة المختصرة التي تميز القواميس: كتابة دقيقة وواضحة ومنظمة، يمكن التفكير في إعطاء القاموس أبعادا أخرى، لكن في الوقت الحالي لنترك الوقت الكافي للطلبة والباحثين وكل من يريد المعرفة أكثر حول حرب الجزائر.

 

ما هو تقييمكم لهذا العمل المشترك بين مؤرخي الضفتين، الذي يدخل ضمن كتابة مشتركة للتاريخ؟

. سيلفي تينو: كتابة التاريخ لا يجب أن تكون أسيرة حدود، وهو ما كتبناه في المقدمة: نجد في الجزائر وفرنسا وفي العالم كله رؤى متعددة للتاريخ تتجاوز البعد الوطني. هناك جدالات وخلافات بين مؤرخين يحملون نفس الجنسية، ورؤى مشتركة بين باحثين من بلدان مختلفة.

التعددية في النقاش أمر محمود وأساسي بغض النظر عن جنسية الباحثين. المشكل المطروح هو اللاتوازن بين الإنتاجات الأكاديمية وضرورة تداركها؛ لأن جامعات البلدان الغنية (من بينها فرنسا لكن ليس هي فحسب)، هي الأكثر إنتاجا لأسباب موضوعية (الوسائل، تطور التكوين، سهولة الولوج للأرشيف... الخ). وهنا يكمن رهان الغد في قدرة الأنظمة المدرسية والجامعية في كل العالم في تكوين أجيال من المؤرخين والمؤرخات للمستقبل. ج. ص