+ -

إن مفهوم الربا باختصار هو: دين ثابت في الذمة، أيا كان سببه، بزيادة مشروطة على الدين مقابل الأجل، واجب الرد بعد أجل معيّن، وقد حرّمت الشريعة التعامل به صراحة أو حيلة، قليلا كان أو كثيرا، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون، واتقوا النار التي أعدّت للكافرين، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون} آل عمران:130-132، وقال تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحلّ الله البيع وحرّم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أَثيم} البقرة:275-276، وقال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} البقرة:278-279.
ولقد فهم الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم معاني هذه النصوص فهما دقيقا، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصعد المنبر ويقول: “توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين أبوابا من الربا فذروا الربا والريبة”، وعلى هذا الأصل، منع مالك الربا والشبهة فيه، وعلى هذا النص وأمثاله، انبنى أصل سد الذرائع الذي تعتمد عليه كل الدول في الممنوعات قانونا دون الإشارة إليه.

ولما كان أكل الربا من أخطر أنواع أكل المال بالباطل، جعلته السنة من بين السبع الموبقات، حيث قال صلى الله عليه وسلم: “اجتنبوا السبع الموبقات! قيل: يا رسول الله: وما هي؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات”. ونبّه إلى أن من يأكل الربا حق على الله أن لا يدخله الجنة ولا يذيقه نعيمها إلا إذا تاب من عمله، قال صلى الله عليه وسلم: “أربعة حق على الله أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها: مدمن الخمر وآكل الربا وآكل مال اليتيم بغير حق والعاق لوالديه إلا أن يتوبوا”.

وقد أعلن صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم الوداع بوضع وإبطال كل الربا في الجاهلية، فعن سليمان بنِ عمرِو بن الأحوصِ قال: حدثني أبي أَنه شهد حجَّة الوداع مع رسول الله، فحَمِد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ وقال:... “ألا وإن كل ربا في الجاهليِة موضوع، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلَمون غير ربا العباس بنِ عبد المطلب فإنه موضوع كله”.

وقد لعن الله كل من اشترك في عقد الربا، فلعن الدائن الذي يأخذه والمستدين الذي يعطيه، والكاتب الذي يكتبه، والشاهدين عليه، فعن جابر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم “آكل الربا، ومُوكِلَه، وكاتبه، وشاهديْه، وقال: هم سواء”.

ويظهر الربا واضحا في سوق القطع (العملات والمعادن النفيسة)، حين يعمد تجار الصرف إلى تأمين أنفسهم ضد خطر تقلبات سعر الصرف، فهم يشترون العملة المطلوب تسليمها آجلا، ويودعونها في المصرف إلى هذا الأجل نظير ربا. كما يظهر الربا في سوق الأوراق المالية عن طريق الشراء في هذه السوق بالاقتراض من المصارف، وعادة ما يكون القرض نسبة من قيمة الأوراق المالية، وهو ما يسمى بالشراء الهامشي أو الحدي، فإذا كان الهامش المطلوب للإقراض على الأوراق المالية 70%، فإن المصارف التي تموّل شراء الأوراق المالية تقرض 30% من سعر الشراء، والمشتري يدفع نقدا 70% من هذا السعر، والمستثمر هنا يتوقع أن ترتفع سوق الأوراق المالية، حتى يقوم ببيع الأوراق المالية التي اشتراها محققا من وراء ذلك ربحا، وإذا لم تصدق توقعاته سيتحمّل خسائر فادحه، ولذلك حرّم الله عز وجل الربا، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} البقرة:278.

*مدير تحرير مجلة “آفاق الثّقافة والتّراث”