38serv

+ -

 هل ستنتصر البعثة على المعارك التنظيمية التي يكون الحاج الجزائري ضحيّتها؟
إن شوق الجزائري إلى الحجّ عميق عمق المحيطات، عال علوَّ الطود العظيم، بلغ مبلغا يصعب الإلمام بوصفه، هذا الشوق النابع عن تعظيم هذه الشَّعيرة باعتبارها ركنا من أركان الإسلام، وحب تلك البقاع المقدسة التي تنزَّل فيها الوحي على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، والتوق للظفر بالثواب العظيم الذي أخبرنا به من لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام بقوله: “والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” رواه البخاري ومسلم، شوق يطرد اليأس عن الذي شارك في قرعة الحج لأكثر من عشرين سنة، ويحرّكه بحثا عن دفتر الحج ولو بالصين، ويُهوّن الغربة عن الأحباب وإن طالت، وشوق يبذل به الحاج كرائم أمواله وإن بلغت مائة مليون سنتيم. شوق يدمع عين من لم تدمع عيناه وهو معلق على قوارض من حديد، شوق يُفتِّت الفؤاد كمدا حين لا يجد الجزائري اسمه في قائمة الفائزين بقرعة الحج.

إن هذا الشوق لو يتم استثماره والمحافظة على جذوته متقدة في قلب الحاج، سيكون كفيلا بإذن الله على إحداث التغيير الإيجابي في النفس والمجتمع، غير أن المعارك التي يخوضها الحاج في حجه وحتى قبل سفره كفيلة باقتلاع ذلك الشوق أو إخماد جذوته، إلا من ثبّته الله وعصمه. وأولى هذه المعارك معركة الإجراءات المطلوبة من الحاج قبل سفره، فيلزمه الطواف والسعي بين البلدية والدائرة والولاية والبنك المركزي وفروعه. وبرغم الجهود المبذولة من قبل هذه الإدارات والمؤسسات التي جعلتهم يعملون ليلا ونهارا، بدءا من أول مسؤول عنها إلى الحارس على الأبواب، يضطر الحاج أن ينتقل على سبيل المثال من ولاية تڤرت إلى ولاية الوادي لدفع المبلغ المطلوب على مستوى فرع بنك الجزائر، ثم بعد استلامه لدفتر الحج يلزمه الرجوع مرة ثانية إلى نفس الفرع من أجل ختم دفتر الحج!! ألم يكن بالإمكان الاستغناء عن كل هذا الجهد، كما في كثير من الدول التي استغنت عن جميع التنقلات والأوراق بالرقمنة والتطبيقات التي تسمح بالدفع عن بعد، والتي لا تتطلب إلا لمسة واحدة على شاشة الهاتف فقط؟

وثاني هذه المعارك قبل السفر، معركة الحجز عبر بوّابة الديوان الوطني للحج والعمرة الإلكترونية، هذه البوّابة التي استحدثت وأريد لها أن تُغني الحاج عن أي تنقل، سواء إلى شركة الخطوط الجوية الجزائرية من أجل حجز تذكرة السفر، أو إلى الديوان من أجل القيام بالإجراءات التي تنتظره في مكة المكرمة بالنسبة للإسكان. ورغم أن موظفي الديوان، من مسؤولين وإداريين، كانوا يبيتون الليالي ذوات العدد في مكاتبهم للقيام بالإجراءات المطلوبة، وجهودهم لا تنكر، غير أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، حسب ما وقع العام الماضي، فلا حجز تذكرة الطائرة كان متاحا للجميع، ولا حجز الإسكان تم بسلاسة، وزاد الطين بِلة انقطاع الإنترنت لمدة أسبوع بسبب امتحان البكالوريا، ووصل الحد ببعض الحجاج أن جعل مناوبة بينه وبين أولاده على بوّابة الديوان 24/24سا من أجل الحجز في الرحلات الأولى، ومع ذلك لم يظفر بحجز فيها، وذلك ما جعل الحجاج ينتقلون إلى مقر الديوان محتجين تارة، ولاجئين للظفر بحجز يناسب ظروفهم من حيث التوقيت أو الرفقة تارة أخرى، فشهد الديوان تنقلات من مختلف المناطق والولايات من تلمسان إلى تبسة، وزحاما على أبواب مكاتبه، وجدالا وخصاما، وتساءل بعضهم بخصوص الرحلات الأولى التي نفد الحجز فيها، كيف استطاع المحظوظون الحجز، أم أن في الأمر “إنَّ” كما يقال؟!

رئيس المجلس الوطني المستقل للأئمة