+ -

تفاديا لحدوث ما حدث في سنوات البحبوحة المالية، قبل قرابة العقدين، تتجه السلطات العمومية إلى انتهاج أسلوب صارم في تسيير المال العام، من خلال اعتماد قانون 18-15 الخاص بقوانين المالية الذي تمت المصادقة عليه في البرلمان العام 2018.

يرى مراقبون بأن أول امتحان سيواجه وزارة المالية هو إيجاد طريقة ناجعة في تسيير المال العام لتفادي دخول البلاد في حالة "التعثر" وبالتالي فرض إدارة شفافة ودقيقة لاحتياطي العملة الصعبة والاستفادة من سياسة ضبط النفقات وترشيدها ووقف نزيف الاستيراد وتضخيم الفواتير الذي أتى على ملايير الدولارات في عمليات استيراد عشوائية وغير مراقبة بالقدر الكافي، أوصلت البلاد إلى حافة الإفلاس وفرضت عليها اللجوء إلى التمويل غير التقليدي وطبع النقود بكميات معتبرة في 2017 و2019.

في هذا الصدد، يعتبر تفعيل القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية الصادر في 2 سبتمبر 2018، الذي أعد أصلا كي يشرع في تطبيقه بداية من سنة 2012 قبل أن تقوم "العصابة السابقة" بتجميد مشروع في 2010، (يعتبر أي القانون) الحل الوحيد الواقعي المتاح حاليا، بما قد يساعد في ضبط إيرادات ونفقات الدولة، ومراقبة بدقة أوجه الإنفاق والمخلفات التي تتبقى في أرصدة حسابات الدولة بعد انتهاء السنة المالية في 31 ديسمبر.

ولمن لا يعلم مضمون هذا التشريع، فإنه ينص في الفقرة الثانية من المادة 89، على أنه سيتم تطبيق أحكام القانون 18-15 فيما يخص قوانين المالية للسنوات 2021 و2022، والتي تبقى خاضعة للقانون القديم الصادر في 1984، حسب مبدأ التدرج عن طريق إدراج كتلة عملياتية ووظيفية منصوص عليها بموجب هذا القانون العضوي في كل سنة مالية ويتم إعلام اللجان المكلفة بالمالية على مستوى المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة بذلك مسبقا.

ويشار إلى أن صاحب المشروع المذكور هو وزير المالية الأسبق عبد الرحمن راوية الذي صرح بعد مصادقة البرلمان عليه في 2018، أن الإطار الجديد لتسيير مالية الدولة سيكون مرتكزا على الفعالية ومبنيا على النتائج المحققة وفقا لأهداف محددة، موضحا بأن هذا النص يهدف "لإصلاح الإطار الموازناتي والمحاسباتي وإحداث تحول عميق في كيفية تسيير المال العام، حيث إنه يرتكز على الموازنة الموجهة لتحقيق النتائج انطلاقا من أهداف محددة وليس على طبيعة النفقات مثلما هو معمول به حاليا".

ويشار إلى أن القانون العضوي المتعلق بقوانين المالية يهدف إلى إصلاح تسيير المالية العمومية، حيث وجه للبحث عن الفعالية والنتائج وإلى تحسين تقديم قوانين المالية للحصول على مقروئية أفضل وتعزيز شفافية معلومات الميزانية تقوية الرقابة البرلمانية.

وكان متوقعا أن يتم اعتماد الطريقة الجديدة في إعداد الميزانية السنوية للدولة "قانون المالية" ابتداء من قانون مالية 2021، بما يتماشى مع مبدأ التسيير القائم على النتائج من خلال وضع "محافظ برامج" لفائدة الوزارات والمؤسسات العمومية التي تتفرع بدورها إلى برامج فرعية ونشاطات من خلال دمج ميزانيتي التسيير والاستثمار تحت حساب واحد، كطريقة لوقف إهدار المال العام في مشاريع لن ترى النور أبدا وتسجل في خانة المنجزة كما كان يحدث في الفترة السابقة.

ووفقا للقانون المذكور، فإن قوانين المالية التي سوف يتم إعدادها مستقبلا، ستتضمن في هيكلها الجديد أربعة أجزاء بدل جزئين وهو ما سيمنح شفافية أكبر للمعلومات الميزانياتية، بالإضافة إلى تأطير حسابات التخصيص الخاص (المعروفة بالصناديق الخاصة) بوجوب وجود صلة مباشرة بين الإيرادات المخصصة والنفقات، الأمر الذي سيؤدي إلى حذف العديد منها.

كما ينص القانون 18-15 على مبدأ إخضاع عمليات تنفيذ ميزانية الدولة إلى الرقابة الإدارية والقضائية والبرلمانية حسب الشروط التي يحددها.

ويمثل هذا القانون قفزة نوعية في مجال عصرنة المنظومة المالية العمومية كونه يندرج في إطار مواصلة الإصلاحات الاقتصادية الرامية لترسيخ أسس الحكم الراشد، وسيلغي قانون 84/17 الساري المفعول والذي أصبح لا يستجيب للمتطلبات التي تفرضها التغييرات التي عرفتها الجزائر في المجالين السياسي والاقتصادي.