في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول عليه الصلاة والسلام: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه».
تالله إن المرء ليعجب حينما يرى الكثير من الشباب الذين يلزمون أنفسهم بطاعة ربهم ويجتهدون فيها، رغم كثرة الفتن والشهوات، ولذلك، استحقوا أن يكونوا من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فلقد علموا أنهم مسؤولون عن شبابهم فيما أبلوه، فعملوا بوصية نبيهم صلى الله عليه وسلم حين قال: «لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن جسده فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه كيف عمل فيه».
إن الشباب في كل أمة هم عمادها، فهم جيل المستقبل، منهم تتكون لبنات الأمة، ومنهم ينشأ العلماء والمصلحون والقادة، فإذا ما صلحوا، انتفعوا وانتفعت بهم أمتهم ومجتمعهم: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء، كل امرئ بما كسب رهين}، فمرحلة الشباب من أهم مراحل العمر، لأنها حقبة الأمل، ووقت الجد في الأعمال، وما من أمة عزت وعلت إلا ولشبابها الدور الكبير، فإذا أردت أن تقيِم قوة أمة، فانظر إلى سواعد شبابها، وإذا أردت أن تعرف همتها وتطلعها، فانظر إلى همم شبابها، وإذا أردت أن تتعرف على مستقبل أمة، فانظر إلى تعداد أبنائها.
والحديث عن الشباب يذكرنا بأسماء كان لها في تاريخ الأمة الأثر البالغ، فإن تحدثنا عن الجهاد وجدنا منهم أقواما، وإن ذكرنا العلم وجدنا منهم فئاما، وأنى اتجهنا في أبواب الخير وجدنا من الشباب من يصدق عليه أنه شاب نشأ في عبادة الله؛ فالمتحدث عن الشباب يحتار فيمن يذكر ومن يدع، فهل نتحدث عن الصحابي الشاب علي بن أبي طالب، أم عن العالم العلامة الشاب معاذ بن جبل، أم عن تضحية الشاب مصعب بن عمير بنعيمه وعزه، مخلفا كل ذلك وراءه ظِهْريا، مهاجرا لأجل الله، داعية إلى الله، سفيرا لرسول الله، أم نتحدث عن مالك بن أنس الذي أفتى ودرس وهو في العشرين، أم عن الشافعي الذي حاز العلم وهو في شبابه، أم عن البخاري الذي بدأ في التأليف قبل العشرين، وأضراب هؤلاء ممن لهم نماذج كثيرة في الأمة كانوا قدواتٍ عالية لجيل الشباب، والخير في الأمة باق.
إخواني الشباب، لنعلم أن المرء لا يعيش إلا عمرا واحدا، واليوم إذا مضى فلن يعود، وأيامنا تطوى، وإلى القبر ندنو، فهل يليق بنا أن نظل في درب الغفلة والمعاصي والتفريط، فيا من انحرفت عن طريق الاستقامة، اعلم أن اللذات ينقضي أثرها، وأن الذنوب تبقى حسراتها، والشهوات المحرَّمة تزول ويبقى شقاؤها، فعليك باللذة الباقية، والزم طريق السعادة الحقة، ولن تجد ذلك إلا في العلم والعبادة، فهل لك من أعمال تسعدك وتبيض وجهك، يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، أما والله ما خلقنا في الدنيا للبقاء، بل خلقنا فيها للعمل، ومن ثم الرحيل عنها.
فالشاب الذي يريد أن ينال ظل الرحمن عليه أن ينشأ في الطاعة، فمكانه في مقدم المسجد وأول الصفوف لا في أطرافه، إذا ما سهر أترابه على القنوات، سهر هو تاليا للآيات، يناجي رب الأرض والسماوات، أو خدمة المسلمين أو إعانة المحتاجين أو بر الوالدين، فكن أيها الشاب ناقلا لصورة الشاب الناشئ على الطاعة والاستقامة، كن ورعا في تعاملاتك، صدوقا في كلامك، أمينا في تعاملك، قائما بعملك، محافظا على حق ربك.
فيا أيها الشاب الذي يرجو أن يكون من السبعة الذين يظلهم الله في ظله، إذا أردت الثبات في زمن المتغيرات فالزم صحبة الأخيار، واترك رفاق السوء والأشرار، وابتعد عن أماكن الفتنة وأهلها، وأشغل النفس بالطاعة لئلا تشغلك بالمعصية، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: “من لم يشغل نفسه بالحق أشغلته بالباطل”.
*إمام مسجد عمر بن الخطاب - بن غازي - براقي