عند الترمذي عن سعد بن أبي وقاص قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: “الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة”.
أيها المبتلى تأمل من حولك فما ترى إلا مبتلى ولا تجد إلا منكوبا، فكم من خد عليه دمع، وكم من مريض على سريره من أعوام يصيح من السقم، وكم من سجين مرت به سنون ما رأى الشمس، فلست وحدك المصاب، بل مصابك بالنسبة لغيرك قد يكون أخف، فالدنيا دار للأحزان والنكبات، وطن مصابك بمن حولك ليتبين لك أنك معافى مقارنة بغيرك.
أيها المبتلى هل أنت مدين؟ اعلم أن حبيبك صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير، هل ضاق بك وضعك المادي؟ رسول الله ما شبع من خبز الشعير، فقد كان يبيت الليالي ذوات العدد طاويا، يأتي على أهله الشهر والشهران ولا يوقد لهم قدر، رآه ذات يوم أبو طلحة يتقلب ظهرا لبطن فعلم أنه جائع، فدخل على زوجه فقال: هل عندك من شيء؟ قالت: نعم، عندي كسر من خبز وتمرات، فإن جاء رسول الله وحده أشبعناه، وإن جاء آخر معه قل عنهم، فأرسلوا أنسا، فقال: يا رسول الله أجب أبا طلحة، فقال لمن معه وكانوا ثمانين: قوموا، فقاموا معه، وقدم الطعام له، فوضع يده عليه ثم سمى ودعا بالبركة، فأكل الثمانون جميعا حتى شبعوا، ثم أكل هو وأهل البيت.
هل تعرضت لإهانة من أحد؟ حبيبك صلى الله عليه وسلم ضربه قومه وشتموه ووضعوا فوق رأسه سلا الجزور، يقول ابن مسعود: بينما رسول الله يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحابه جلوس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه فيضعه في كتفي محمد إذا سجد، فانبعث شقي من القوم فأخذه، فلما سجد صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه، فأقبلت فاطمة فطرحته عنه، ثم دعا عليهم.
أيها المبتلى هل تعرضت يوما لحصار من جار سوء مثلا؟ اعلم أن نبيك حاصره قومه ثلاث سنوات في الشعب، وضيقوا عليه وعلى أصحابه، وقطعوا عنهم الميرة والمادة، حتى بلغهم الجهد والتجأوا إلى أكل الأوراق والجلود، وما خبر إخوانك الغزاويين عنك ببعيد! هل طلقت إحدى بناتك أو أخواتك؟ رسول الله طلقت بنته رقية وبنته أم كلثوم، وكانت أم كلثوم في الجاهلية تحت عتيبة بن أبي لهب، ورقية تحت أخيه عتبة، فلما نزل: {تبّت يدَا أبي لهب} قال أبو لهب لابنيه عتيبة وعتبة: وجهي من وجهكما حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد.
هل فقدت أحد أولادك؟ المعصوم صلى الله عليه وسلم توفي كل أولاده في حياته باستثناء السيدة فاطمة، فقد توفي ابنه عبد الله صغيرا في مكة، ومات ابنه القاسم صغيرا بعد أن بلغ سنا تمكنه من المشي، وهاجرت بنته رقية إلى المدينة وماتت في العام الثاني للهجرة، وتوفيت ابنته زينب في حياته في العام الثامن الهجري، وتوفيت أم كلثوم في العام التاسع الهجري، وتوفي ابنه إبراهيم في العام العاشر من الهجرة.
هل تغربت من بلدك ذات زمن؟ الحبيب رسول الله طرده قومه من مكة أحب البلاد إليه؛ فالتفت إليها وهو مغادر قائلا: والله إنك لأحب الأرض إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت.
هل عاداك أحد من أقاربك؟ رسول الله ناصبه العداء عمه أبو لهب، لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين} صعد صلى الله عليه وسلم الصفا فنادي بطون قريش فاجتمعوا فقال: “أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟”، قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقا، قال: “فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد”، فقال أبو لهب: تبا لك ألهذا جمعتنا!
فهكذا رأينا المعصوم صلى الله عليه وسلم وهو خير خلق الله وأحب عباده إليه يتعرض لكل هذه الابتلاءات، ومع هذا كله كان راضيا محتسبا، فلنتخذ منه صلى الله عليه وسلم قدوة في الصبر على مبتلانا. والله ولي التوفيق.
إمام مسجد عمر بن الخطاب - بن غازي - براقي