38serv
بعد تنفيذ عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، أعلنت القيادات العسكرية والسياسية في الكيان الصهيوني، أن هذه العملية تعد أهم عملية ينفذها الكيان منذ عقود، وكان واضحا من خلال المواقف والمظاهر المعبر عنها، أن نصر الله كان يشكل هاجسا كبيرا بالنسبة للقيادة في الكيان، وللمجتمع الصهيوني بشكل عام، قد لا يوازيها من حيث الأهمية إلا اغتيال أبو جهاد في تونس في أبريل 1988.
وصف وزير دفاع الكيان، يوآف غالانت، اغتيال الأمين العام لحزب الله بأنها "من أهم عمليات الاغتيال في تاريخ إسرائيل"، وقال غالانت في تصريح أعقب إعلان جيش الاحتلال صباح أمس اغتيال نصر الله "أنهى هذا العمل حسابا طويل الأمد مع كبير القتلة نصر الله، الملطخة يديه بدماء آلاف المدنيين والجنود الإسرائيليين"، وأوضح أن "اغتيال نصر الله ينضم إلى سلسلة العمليات الأخيرة التي يتردد صداها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وترسل رسالة واضحة إلى أولئك الذين تصرفوا ضدنا، والذين يفكرون في القيام بذلك الآن، بأن من يبدأ حربا ضد دولة إسرائيل ويحاول الإضرار بمواطنيها سيدفع ثمنا باهظا للغاية".
من الطبيعي أن يعتبر الكيان أن اغتيال أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، رحمة الله عليه، أهم عملية له منذ عقود، ومن المنطقي أن تعتبر قيادة الكيان أنها حققت إنجازا كبيرا بالمعنى الأمني والسياسي، هناك أكثر من داع لذلك، حتى وإن كانت دوافع اغتيال قائد المقاومة لا تعد ولا تحصى بالنسبة للإسرائيلي.
من حيث التوقيت، كان نتنياهو بحاجة إلى هذا الإنجاز أكثر من أي وقت مضى، فهو يحقق بذلك أجمل أهداف، منها ما يخصه شخصيا من حيث مساره ومستقبله السياسي وإعطاء معنى لخياراته الراهنة، ومنها ما يتعلق بتحولات المواجهة وأفقها المقبل، ومنها ما يخص الانتقام للإسرائيليين عموما، من رجل فاقت إدارته للمعركة والمقاومة، أزمات الكيان وكبدته على مدار ثلاثة عقود سلة من الخسائر ومحطات من الخيبات.
لفهم أهمية اغتيال نصر الله بالنسبة للمؤسسة الإسرائيلية، من المهم العودة إلى محطات مهمة في تاريخ الصراع مع الكيان، كالتي وضعت المقاومة على جبهة النصر والتحرير، والكيان على سكة الهزائم، على الأقل محطتين فارقتين. تحرير الجنوب في مايو 2000، حيث انسحبت إسرائيل تحت جنح الظلام، وتحررت 135 قرية لبنانية في الجنوب كانت ترزح تحت الاحتلال، و33 قرية كانت تحت سيطرة جيش لبنان الجنوبي العميل بقيادة أنطوان لحد، بفعل ضربات المقاومة ونهجها القائم على الاستنزاف المستمر للعدو.
في عام 2006، كان الإنجاز الأكبر للمقاومة، بعد حرب دامت 34 يوما، انتهت بإنجاز تحرير الأسرى من السجون الإسرائيلية، برز في تلك المحطة الوجه القيادي الأبرز لنصر الله، ليس على صعيد إدارة المعركة، ولكن أيضا على صعيد إدارة المفاوضات مع العدو بوساطة ألمانية، سمحت الصفقة بإفراغ السجون الإسرائيلية من كل الأسرى اللبنانيين، بمن فيهم عميد الأسرى سمير القنطار. ليست هذه المحطات وحدها ما يكفي لفهم أهمية هذا الاغتيال بالنسبة للإسرائيلي، فقد كان نصر الله قد طور أيضا طريقة خطاب أصبحت جزءا من أدوات الحرب النفسية الضاغطة على أعصاب المجتمع الصهيوني، كان ظهوره في مراحل المواجهة المباشرة يصيب مجتمع الكيان بالقلق، خاصة منذ خطابه في بنت جبيل المعروف بخطاب "أوهن من بيت العنكبوت".
بيد أن أهمية اغتيال نصر الله بالنسبة للكيان تبرز أيضا في سلسلة الاستعدادات التي أعلنها لتلقي رد من حزب الله والمقاومة في قادم الأيام، إذ حذر كبار قادة جيش الاحتلال من أن "إسرائيل تترقب أياما صعبة"، وهذا يعني أن الكيان يدرك أن المواجهة ستطول وقد تعرف تطورات لافتة في الفترة المقبلة، وهو ما يفسر محاولة الكيان الاستمرار في قصف قرى الجنوب والضاحية الجنوبية لمنع حزب الله من أي رد سريع، والسعي لحرمانه من المبادرة إلى ذلك.
يبقى في خضم كل هذه التطورات، السؤال المحوري الذي يحدد ما إذا كان الكيان الصهيوني قد حقق هدفه الأساس من اغتيال نصر الله وسلسلة من القيادات السياسية والعسكرية في الصف الأول للحزب والمقاومة ومن هجومه على لبنان، وهذا الهدف يتصل أساسا بإعادة المستوطنين إلى مدن الشمال، والبالغ عددهم 140 ألف مستوطن، لأنه في حال لم يتحقق هذا الهدف، ولا يبدو كذلك، فإن الكيان يكون قد خسر رهانه العسكري، حتى مع اغتياله نصر الله.