شهدت بلادنا، في غضون الأيام القليلة الماضية، حوادث مرور كثيرة مروّعة، أدّت إلى تسجيل عدد كبير من الضحايا والمصابين، ما يتطلب منا الوقوف عند هذه المشكلة لمعالجتها وإيجاد الحلول الجذرية لها.
إن حوادث الطرق حرب مدمّرة بمعدّات ثقيلة تنزف بها الدماء وتستنزف فيها الثروات، وإذا كانت وسائل المواصلات التي يستعملها الإنسان ضرورة من ضرورات الحياة، فلا بد من مراعاة السلامة في استعمالها والتعامل معها، والله سبحانه وتعالى قد مدح عباده الصالحين، فقال: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}.
إن عامة أسباب الحوادث يمكن تلافيها، لو أخذنا بأسباب السلامة، وإن أهم سبب من أسباب الحوادث السرعة الزائدة عن حد السيطرة على المركبة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “الإيمانُ بضع وسبعون -أو بضع وستون- شُعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شُعبة من الإيمان”. في هذا الحديث، يبيّن لنا النبي صلّى الله عليه وسلم العلاقة الوطيدة بين الإيمان واحترام قوانين سلامة السير، وأنه من الإيمان تجنُّب كل التصرفات التي تؤذي الغير، ومعنى إماطة الأذى عن الطريق؛ أي: إزالة ما يؤذي كشوك وخبث وحجر، يربط النبي صلّى الله عليه وسلم بين الوقاية المرورية وبين الإيمان باليوم الآخر، وأن العمل الصالح في هذا المجال له أثره يوم القيامة.
وإن الأصل أن الطريق أمن وآمان، لذا اعتبرت الشريعة الإسلامية قطع الطريق وإخافة السبيل وترويع الآمنين من أكبر الكبائر، وهي من الحدود باتفاق الفقهاء، وسمى القرآن مرتكبيها: محاربين لله ورسوله وساعين في الأرض بالفساد، وغلظ عقوبتها أشدّ التغليظ؛ فقال عز وجل: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض}.
الأنظمة المرورية ملزمة شرعا
فمما لا يختلف فيه أهل العقل والفطرة أن هذه القوانين التي تلزم الدول شعوبها بالانقياد لها وتطبيقها هي من المصالح ومن أبواب الخير، ويجب على المجتمع ألا يتوانى ولا يتهاون في تطبيقها، فالجميع مسؤول، قائد المركبة مسؤول، ورب الأسرة مسؤول، ورجل الشرطة مسؤول، فليعمل كل بحسب مسؤوليته، ولنتذكر جميعا قوله تعالى: {وقفوهم إنهم مسؤولون}.
إن هذه الأنظمة تم وضعها لتنظيم سير الناس على هذه الطرق، وحفظ أرواحهم من الهلاك، وبناء على المصلحة العظيمة المترتبة عليها، فإن إلزام ولي الأمر بها مشروع جريا على قاعدة (تصرفات الإمام بالرعية منوطة بالمصلحة)، والمصلحة هنا معتبرة، فهي لم تخالف نصا من الكتاب أو السنة، ومنفعتها لعموم الناس حقيقية لا وهمية، وهي إن لم تكن من الضروريات، فلا تنزل أبدا عن رتبة الحاجيات.
حزام الأمان سبب في النجاة والاطمئنان
كلنا موقنون أن السلامة والحفظ هي بيد الله عز وجل: {فالله خير حافظ وهو أرحم الراحمين}، ولكن الشرع أمر بأخذ الأسباب والعمل وفقها لا الاعتماد عليها، وقد ثبت بالتجربة القطعية أن حزام الأمان يخفف من فداحة المصيبة أثناء الحادث ويحمي السائق من هول الاصطدام.
*صلاحية الطرق
إن الشعور بالمسؤولية تجاه سالكي الطريق يتطلب من المهندسين والعمال والمسؤولين على الطرق إتقان عملهم لضمان جودة الطريق، والعمل على إعمال بنية تحتية للطرق موافقة للمعايير المطلوبة، وكم من أرواح أزهقت بسبب التقصير في العمل، وكم من ضياع للمركبات وحوادث سير وقعت؛ كانهيار قنطرة لم تُبنَ على أساس متين، أو التقصير في وضع إشارات المرور التي ترشد أرباب السيارات لخفض السرعة، أو الإشارة إلى منعرجات في الطريق وغيرها من العلامات المرورية.
ومن آداب الطريق الخاصة بالمركبات صلاحية الوسيلة المستعملة في الركوب للاستعمال، فيجب على الراكب أن يتأكد من الوسيلة المستعملة في الركوب (السيارة)، وأنها صالحة للاستعمال، متوفر بها مستلزمات السلامة، من مكابح وأنوار وإشارات، فإن خالف وسار بها وهي غير صالحة، فهو مخطئ ومؤاخذ قانونا وشرعا لتعريض نفسه وغيره من المنتفعين بالطريق للخطر، ويجب منعه من المرور بها واستعمالها.
هذا وإن موضوع الجناية في حوادث المرور في وسائل النقل المعاصرة من الموضوعات الفقهية التي تحتاج إلى دراسة شرعية متقنة، وبحث دقيق في نوازلها الجديدة، وذلك بالنظر إلى الظروف المعاصرة التي تنوّعت فيها صور الحوادث وجزئياتها، فأضحت واقعا مشكلا أمام القضاء، لما يترتب على تلك الحوادث المرورية من ضمانات وجنايات وأضرار بالغة في الأرواح والأموال؛ ما جعلها من نوازل العصر الملحة في معرفة أحكامها وحكم الشرع في مستجداتها.
مع العلم أن من قتل نفسا بالخطأ بسبب حادث مرور أو تسبب فيه أو شارك فيه، وجب عليه الدية والكفارة بصوم شهرين متتابعين متعلقة بكل نفس تموت بسبب الحادث، فاتقي الله يا عبد الله واحترم غيرك واحترس واحرص واحذر، فلا تسرع ولا تتهوّر، فالموت أسرع وأنت تستعمل الطريق. فلنحرص، كل الحرص، على جعل أيامنا سعيدة وحياتنا هانئة، فالحذر الحذر من تنغيصها بمنغص، أو تكديرها بمكدر؛ فلا تهوّر في قيادة المركبات، ولا تصرفات طائشة، ولا سلوكيات غير مسؤولة؛ مخالفة لشرع الله تعالى، ومضرة بالمجتمع والحياة العامة للناس.