تتعدد توجهات القراءة لدى الشباب الجزائري والناشئة، لكن تبقى ظاهرة الإقبال على الرواية مستمرة، مع مزاحمة كتب علم النفس وتطوير الذات التي ما فتئت تأخذ مكانة مهمة في اهتمامات الشباب. ومهما اختلفت هذه التوجهات، يظل حضور الشباب والناشئة للصالون واحتكاكهم بالكتّاب ظاهرة صحية يثمنها أصحاب دور النشر الذين كسبوا قارئا نهما في الحاضر وضمنوا قارئ المستقبل.
سجل الصالون الدولي للكتاب في طبعته السابقة أكثر من ثلاثة ملايين زائر، وإن كنا نفتقد إلى إحصائيات دقيقة لنسب الفئات العمرية التي ترتاد الصالون، ولا لاتجاهات القراءة في الجزائر مع غياب مراصد لذلك، فالملاحظ والغالب أن نسبة الشباب تطغى على عدد زوار الطبعة الحالية لصالون الجزائر الدولي للكتاب. ورغم أن الرواية تربعت في السنوات الأخيرة على عرش القراءة في الجزائر، فإنها تجد مع مزاحمة قوية في الطبعة 27 لكتب علم النفس وتطوير الذات التي يقبل عليها الشباب والناشئة. "الخبر" استطلعت آراء بعض زوار الصالون ودور النشر في جولة بأجنحته المختلفة.
كتب تطوير الذات في مقدمة اهتمامات الشباب
كن مجموعة من الشابات في مقتبل العمر يتجولن في الجناح المركزي، اقتربت منهن "الخبر" لتسأل عن وجودهن في الصالون وعما يبحثن، تقول منال 20 سنة تدرس في غرفة التجارة الجزائرية "جئت اشتري كتابا، لست بقارئة نهمة للكتب، لكن أحب أحيانا قراءتها لأكتشف".
منال رغم أنها لم تجد ما يجذبها، لكنها تحب كتب علم النفس وتؤكد "لست مدمنة على الكتب، لكن أحاول أن أقرأ واشتريت كتابا عن العادات "القاعدة 333" تساعد على تحسين السلوك وتنظم النفس وعاداتها"، وهذه هي نوعية الكتب التي تحبها، وتضيف "لأنني أركز على نفسي أكثر ومع الوقت اكتشف أكثر رغباتي"، لتشير إلى أنها ربما تتجه إلى قراءة الرواية، وتختم بأن المعرض رائع وفيه نتعرف على الكتّاب والثقافات. وعن ظاهرة الكاتب أسامة المسلم تقول "إنه شيء جميل، لكن لم يتركوا له الفرصة ليحدثهم ويوقع لهم الكتب.. لم يكن مرتاحا كان تحت الضغط".
وسيم 22 سنة مستوى ماستر 2، يقول إنه جاء للصالون للبحث عن كتب تطوير الذات وكتب علم النفس، لأنه شغوف باكتشاف ذاته وكيفية تعاملها مع الآخرين. وسيم المتعود على زيارة الصالون، يرى أن إقبال الشباب على هذه النوعية من الكتب ظاهرة ايجابية، لأن هذه الكتب تعلمهم التعامل مع الآخر وتكتشف قدراتهم ومكامن القوة والضعف فيهم وتسمح لهم بالتعامل مع الواقع، خاصة وأنهم مقبلون على الحياة العملية والاحتكاك بالآخرين في عالم الشغل والتعامل مع ذهنيات وعقليات مختلفة.
يقول حسان غراب، مستشار النشر في المؤسسة الوطنية للاتصال، النشر والإشهار (أناب)، عن ظاهرة الشباب المقبل على الكتب: أولا (أناب) خصصت جانبا من جناحها لكتب الأطفال، وهذا يشير إلى مكانتهم والأهمية التي نوليها لهم، خاصة بالنسبة لكتب الناشئة هناك شباب يأتون للبحث عن كتب محددة، مع أكثر من 500 عنوان سيجد الجميع ضالته في الجناح. وعن ظاهرة العدد الهائل من الشباب والناشئة الذين يرتادون الصالون، يقول المتحدث إنه مشجع وكل واحد هو قارئ إضافي وهو إضافة للدار. ودعا حسان غراب إلى البحث عن مركز اهتمام هؤلاء الشباب وما هي الكتب التي يبحثون عنها وفي أي مجال، مؤكدا أن الأهم أنهم يقرؤون الكتب، وحتى إن لم يحسنوا اليوم اختيار ما يقرؤون سيفعلون ذلك مستقبلا، ليخلص إلى القول "أعتقد أن الأمر ايجابي".
الرواية تبقى الرقم واحد عند الناشئة
تعددت توجهات القراءة في الجزائر من كتب تطوير الذات إلى الروايات، وبالتحديد الروايات البوليسية أيضا، آمال 20 سنة ثالثة ليسانس اختصاص هندسة الطرائق، تقول "جئنا نشتري كتبا تتلاءم مع عمرنا، ووجدنا كتب أسامة المسلم وأغاتا كريستي، ووجدت ما أريد في المعرض"، آمال تزور المعرض لأول مرة تضيف "أحب أكثر الروايات وأفضل الروايات العربية أكثر، والتي تتطرق لقصص حقيقية وأفضل الروايات البوليسية"، وعن الأسعار تقول إنها في المتناول ما عدا بعض العناوين المطلوبة بكثرة، لتؤكد "كل ما بحثت عنه وجدته في المعرض".
من الرواية إلى كتب الإصلاح الذاتي، نتوقف عند وسام كانت ضمن مجموعة من الشابات يقفن في طابور أمام دار "عصير الكتب" جاءت تشتري كتب إلهام شرقاوي والدكتورة هالة سمير والشيخ محمود الحسنات، وهي كتب تتحدث عن الدين وتضم دروسا وعبرا وحقائق واقعية وهو ما يستهوي وسام الطالبة في التكوين شبه الطبي ذات 19 سنة.
يتجمع جمع غفير أمام دار "عصير الكتب" أغلبهم من الناشئة والشباب، سألنا المدير التنفيذي للدار أحمد فاروق عن هذه الظاهرة التي تعرفها منذ بدأت حضورها في الجزائر، فيقول "إصداراتنا معظمها شبابية والجزائر هي من أوائل الدول التي تباع فيها إصداراتنا بشكل جيد ومطلوبة بشكل كبير، ولأن معظمها للشباب ما بين الرواية والصحة النفسية وكتب تطوير الذات عليها إقبال كبير جدا"، ويضيف أنه منذ أول أمس كان الإقبال رائعا وأمس كان حضور قوي للزوار، مؤكدا أن معرض الجزائر من أكثر المعارض العربية حضورا (يقصد إقبالا من الزوار) على الإطلاق.
وعن اهتمامات الشباب الجزائري وما يطلبه، يقول إن الرواية تتصدر المشهد وبعدها كتب علم النفس وكتب تطوير الذات وكتب العلوم، والآباء والأمهات يأخذون كتب التربية ونحن عندنا إصدارات متنوعة. وعن ظاهرة الشباب المقبل على القراءة، يقول "الشباب هم ظاهرة المقروئية في العالم العربي ككل وليس في الجزائر فقط، معظم القراء في العالم العربي هم الشباب، وبكل تأكيد نحن شغلنا الشاغل شريحة الشباب وهذا الخط الأساسي لنا" .
المهم أن يبقى فعل القراءة دائما
يفاجئك بعض القراء بمستواهم واختياراهم، من بين هؤلاء شيراز ذات الـ 23 ربيعا صادفناها تحمل كتاب أمين معلوف "الحروب الصليبية"، وقالت إنه ليس الكتاب الأول الذي تقرأه لأمين معلوف، بل هو الوحيد الذي لم تقرأه، وتضيف إنها في العادة تقرأ كتبه بالفرنسية، هذه المرة لم تجده بالفرنسية. وعن ميولها في القراءة تقول إنها تحب كتب الأدب العربي والصوفي والأدب الإيراني، وهي مواظبة على المجيء إلى الصالون وأول كتاب قرأته كان عمرها 10 سنوات وهو كتاب "الأرواح المتمردة" للكاتب جبران خليل جبران.
يقول مسؤول "دار الأمة" حسان بن نعمان، بالنسبة لـ "دار الأمة" بغض النظر عن بعض الكتب التي تدخل في المجال الأدبي، الروايات تحديدا، أغلب كتب الدار هي كتب أكاديمية وجامعية، فأغلب الزوار لجناح "دار الأمة" يبحثون عن الجامعي والأكاديمي والسياسي والتاريخي. وعن ظاهرة الشباب الذي يتوافد على المعرض، يؤكد حسان أن الظاهرة الصحية الأولى هو توافد الناس على المعرض في حد ذاته، حتى فعل الحضور والاحتكاك بالكتاب هو ظاهرة ايجابية جدا "نتمنى أن تتواصل هذه الظاهرة حتى خارج إطار المعرض الدولي للكتاب".
جاء سيد أحمد 17 سنة طالب ثانوي للمعرض لأول مرة، وجدناه يبحث عن ضالته بين دور النشر مع رفقة له، يبحث عن الكتب التي تهمه وتساعد في تثقيفه وخاصة كتب اللغات، كما قال، سيد أحمد عبر لـ "الخبر" بروح مفعمة بالتفاؤل عن إعجابه بالمعرض، خاصة جمالية الأجنحة وتوزيعها وتنظيمها.
مؤنس شاب في مقتبل العمر، التقينا به بين أروقة الجناح المركزي، جاء يبحث عن كتب اللغات والمعاجم اللغوية، حلمه أن يتقن أكثر من لغة، لأنه يرى أن اللغات باب يدخل من خلاله إلى الآخر ويتعرف على ثقافات الشعوب الأخرى وتساعده إذا سافر إلى خارج الوطن، يرى مؤنس أن إقبال الشباب على الصالون ظاهرة جيدة تعكس اهتمام الشباب بالثقافة والعلوم وبحثهم عن الجديد في مجالات مختلفة لتطوير قدراتهم العلمية.
يقول الممثل التجاري لـ "دار فليتس للنشر والتوزيع" المختصة في كتب اللغة الانجليزية، عبد الله فليتس، إن اللغة الانجليزية هي التوجه الحالي للشباب.. هناك إقبال من الشباب والناشئة الذين يبحثون عن كتب تعلم اللغة الانجليزية وحتى كتب تبسطها للأطفال. ويرى أن ظاهرة الشباب المقبل على شراء الكتب توجه جيد للشباب.
تبقى ظاهرة إقبال الشباب على صالون ظاهرة صحية وايجابية تعكس وعي الشباب بأهمية الكتاب وتثقيف الذات وتغذية الفكر بمختلف المعارف، والتعرف على الآخر من خلال ما ينتجه من معارف وثقافة. وإلى حين إجراء إحصائيات حول اتجاهات القراءة في الجزائر، تظل الرواية تتصدر المشهد في صالون الجزائر الدولي للكتاب.