
38serv
قرر الصحفي الفرنسي، جون ميشال أباتي، الاستقالة نهائيا من قناة "أر.تي.أل"، التي أوقفته مؤقتا عن الظهور، بعد قوله على الهواء إن وحشية النازيين مستلهمة من الاستعمار الفرنسي في الجزائر.
في رسالة نشرها على منصة "إكس"، اليوم الأحد، قطع الصحفي المخضرم الحبل السري مع القناة التي عمل فيها سنوات عديدة ويحبها كثيرا، كما قال، ساردا مجريات الوقائع ومتمسكا بتصريحاته حول مسألة الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وخائضا أكثر في تفاصيل قناعاته.
وبكلمات تبدو مليئة بالتعاطف مع الشعب الجزائري وتدفقت من وجدانه، قال أباتي "إن إدارة المحطة بررت قرار منعي المؤقت بتلقيها العديد من الاحتجاجات من المستمعين". وللتعامل مع المشاعر التي أثارتها تلك التصريحات، يضيف المتحدث، "طلبوا مني عدم الظهور في الأسبوع التالي، مشيرين إلى أنه سيكون من دواعي سروري العودة بعد ذلك لمواصلة الدفاع عن وجهة نظري على الهواء".
وأفاد أباتي بأنه كان متفهما وقبل نهج إدارة المحطة ووجده "متوازنا ومحترما تجاه شخصي". ولكن بعد ذلك تقرر التعليق، يوم الأربعاء الماضي، وهو ما اعتبره عقابا و"تغيرت رؤيتي للوضع"، كما عبر المتحدث، قبل أن يضيف: "إذا عدت إلى الميكروفون، فهذا يعني أنني أوافق عليها، وبالتالي أقر بارتكاب خطأ. وهذا أمر لا أستطيع قبوله".
وتطرق الرجل بعدها لقناعاته وموقفه المنحاز للجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، الذي لا يقوم به في فرنسا سوى من لهم ضمائر حية، وقال إنه يولي اهتماما خاصا لمسألة الوجود الفرنسي في الجزائر بين عامي 1830 و1962، رغم أنه لا علاقة له شخصيا بهذه المسألة.
وأكد أباتي: "لم يشارك والدي أو أعمامي أو أفراد آخرون من عائلتي في حرب الجزائر، ولا أملك أي صلات أو روابط مع الفرنسيين الذين تم ترحيلهم من هذا البلد.. لقد اكتشفت هذه القصة بطريقة عادية". وتابع: "كانت مسألة بقاء الجزائر جزءا من فرنسا في قلب الأزمة السياسية، ومنذ ذلك الحين، تساءلت عن ماهية هذه الحالة، وطبيعة الوجود الفرنسي، وكذلك عن طبيعة التعايش بين المجتمعات في هذا البلد".
ولما تعمّق الرجل في تفاصيل الاستعمار البغيض وشناعته قال: "ما قرأته في الكتب التي كتبها مؤرخون دقيقون صدمني، فقد تكررت المجازر بحق المسلمين على مدار 132 عاما من الاحتلال، وكان هناك نظام يسمى "الاستعمار" الذي طبق منذ عام 1881، حيث تم حرمان السكان الأصليين من جميع حقوقهم، وفُرض عليهم عبء اقتصادي واجتماعي قاس وغير عادل".
وتابع أباتي بأسلوب يعكس اطلاعه الجيد على تاريخ الاستعمار الفرنسي بالجزائر، بالقول: "كان التعليم للأطفال ضئيلا، وطرد الناس من الأراضي الأكثر خصوبة"، معتبرا أن "كل هذا يرسم صورة غير مشرفة لفرنسا، بالنظر إلى القيم الإنسانية التي تشتهر بها في العالم".
وعبر أباتي عن عمق ألمه عندما قال: "لقد عانيت باستمرار بسبب غياب الاعتراف الرسمي من قبل الاستعمار بالمعاملة المهينة التي تعرض إليها الشعب الجزائري... وتصريحي حول هذا الموضوع منذ سنوات يرتبط بهذا الشعور. ولهذا السبب فقط، لا أستطيع قبول أن أكون معاقبا على تكرار هذه الحقائق".
وفي الأخير قال أباتي: "رأيت، خلال الأيام الأخيرة هؤلاء الوطنيين المزيفين الذين تذعرهم الحقائق التاريخية"، آملا في يوم من الأيام، أن "تعترف فرنسا، بلدي، بجزء من وحشيتها في التاريخ".