تأمّــــــــــلات في ســـــــورة الغاشيـــــــة

+ -

 الغاشية هنا هي السّاعة، تغشى النّاس بهَوْلِها وفَزِعها وشِدَّتها، كما قال جلّ وعلا: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ اللّه شَدِيدٌ}.يقول اللّه عزّ وجلّ {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} أي نبؤها وخبرها. {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ} أي ساكنة، خائفة، ذليلة. {عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ} يعني كانت عاملةً ناصبة والنّتيجة {تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً} أي حارَّة شديدة الحرّ. {تُسْقَىٰ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} أي قد اِنتهى حَرّها وغليانها. {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} شجرة ذات شوك لاَطِئَة بالأرض. {لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} يعني لا يحصُل به مقصود ولا يَنْدَفِع به مَحْذُور.وقال عزّ وجلّ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ} لمّا ذكر حال الأشقياء ثَنَّى بذِكْر السُّعداء فقال {وُجُوه يَوْمَئِذٍ} أي يوم القيامة {نَاعِمَة} أي يُعرَف النّعيم فيها وإنّما حصل لها ذلك بسَعْيِهَا. {لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} لِسَعْيِهَا راضية قد رَضِيَت عملها. {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} أي رفيعة بهيَّة في الغُرُفات آمِنُون. {لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً} أي لا تَسْمَع في الجنّة الّتي هم فيها كلمة لَغْو. {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ} سارِحَة. {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ} أي عالية ناعمة كثيرة الفُرش مرتفعة السُّمْك عليها الحُور العين. {وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ} يعني أواني الشّرب مُعدّة مُرْصَدة لمن أرادها من أربابها. {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ} النّمارق الوسائد. {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} أي هَهُنَا وهَهُنَا لمَن أراد الجلوس عليها.ثمّ يقول تعالى آمِرًا عباده بالنّظرِ في مخلوقاته الدّالّة على قُدرته وعظمته {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِل كَيْفَ خُلِقَتْ} فإنّها خَلق عجيب وتَرْكيبها غريب، وإنّها في غَاية القوّة والشّدّة، وهي مع ذلك تَلين للحَمل الثّقيل وتَنقاد للقائد الضّعيف وتُؤْكَل ويُنْتَفَع بِوَبَرها ويُشْرَب لَبَنهَا. {وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} أي كيف رفعها اللّه عزّ وجلّ عن الأرض هذا الرَّفْع العظيم. {وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} أي جُعِلَت مَنْصُوبة فإنّها ثابتة راسية لئلَّا تَميد الأرض بأهلها، وجعل فيها ما جعل من المنافع والمعادن. {وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} أي كيف بُسِطَت ومُدَّت ومُهِّدَت. {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} أي فذَكِّرْ يا محمّد النّاس بما أُرْسِلْت به إليهم فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب. {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ} أي لَست تخلُق الإيمان في قلوبهم. {إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ} أي تَولّى عن العمل بأركانه وكفر بالحقّ بجِنانه ولسانه {فَيُعَذِّبُهُ اللّه الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ}.وقال تعالى {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ} أي مرجعهم ومُنْقلَبهم. {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} أي نحن نُحاسبهم على أعمالهم ونجازيهِم بها إن خيْرًا فخيرٌ وإن شرًّا فشَرٌّ.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: