38serv

+ -

الأجواء الآخذة في التشكّل بمدينة وهران تؤشر إلى أن الجسور ستكون ممدودة أكثر في المستقبل بين أجنحة من الجماعات الإسلاموية المتطرفة المتواجدة بالمنطقة، وما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إذا لم تتحرك أجهزة الدولة لاحتواء الوضع. تفيد المعلومات التي استقيناها بعاصمة الغرب الجزائري، وهران، بأن عددا من المعتقلين السياسيين ممن احتجزوا في بداية التسعينات بعين أمڤل ورڤان وواد الناموس في الصحراء الجزائرية، بشبهة مؤازرة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة، قد التحقوا بـ”داعش” منذ أزيد من شهر، فيما تفيد مصادر على صلة بفرع جمعية العلماء المسلمين بمنطقة الحاسي، في المدينة نفسها، الذي يشرف على تسييره سلفيون متشددون، تفيد بالتحاق عنصرين منه بالتنظيم نفسه، وبات الأمر على لسان العام والخاص في المنطقة. وتجري في الظل مساعي لاحتواء الوضع، لأن “داعش” باتت تستغل الأوضاع الاجتماعية لشريحة التائبين ومن كانوا في المعتقلات، والشباب البطال.وباتت بعض الأحياء التي نمت على هامش مدينة وهران، بمثابة “مستنقعات” ساخنة ينمو فيها التطرف، كأحياء الحاسي والطورو، الواقعان إلى جنوب غربي المدينة على بعد 20 كيلومترا، ولهما امتداد مع أحياء سيدي الهواري، فضلا عن أحياء أخرى لا تقل خطورة وانحرافا كالصنوبر و(سان بيار) وسيدي البشير.الحاسي: مستنقع المخدرات والتطرفعندما زرنا حي الحاسي الساخن، أشار علينا بعض أبنائه إلى ضرورة التزام الحذر في كل شيء، فهو حي معروف بالانحراف، وحالة استقطاب الشباب بلغت مبتغاها هناك، إما تهريبهم إلى عالم المخدرات في غمرة بروز سماسرة غامضين يتاجرون في كل شيء، كتهريب البشر في قوارب الموت باتجاه الضفاف الأخرى للجنة الموعودة في أوروبا، أو استقطابهم إلى عالم التطرف الديني، أي أن لكل جهة في الحاسي مجالها الحيوي. لباعة المخدرات مجالهم، وللإسلاميين المتطرفين مجالهم.وطالما أن هناك مصليات يتم إنشاؤها من يوم لآخر بعيدا عن رقابة السلطات، فهو حي نشأ في ظل ملابسات عديدة، ولاسيما من جانبه العمراني الذي يشهد بعض سكانه بأن أزيد من 70 في المائة من بناءاته فوضوية لا يحوز أصحابها على وثائق، ومن بينها مسجد “السنّة”، الواقع عند مرتفع أحد الأزقة، على مستوى فوق 4 طوابق.وقبل الوصول إلى حي الحاسي بنحو مائة متر، تجد إلى يمينك مقر فرع جمعية العلماء المسلمين في زنقة ضيقة بعيدة عن الأعين. ويقول بعض أبناء الحي، إن هناك كثير من الشباب انقلبوا في سلوكياتهم من بيع الحشيش وحبوب الهلوسة، إلى ارتداء اللباس الأفغاني، وغض البصر ورفض الاختلاط في المدارس والجامعات، والتزاحم على الصلاة في الصف الأول بمسجد “السنّة”، الذي يسيره أحد التائبين، ومصليات أخرى، حتى أن بعضهم يريد فرض أفكاره بالعنف على أبناء الحي أحيانا، إلا أن بعض السكان يحرص على تجنبهم قدر الإمكان، لكن لم يسألهم أحد عن سر هذا التحوّل في حياتهم ولا عن أبعاده الخلفية.لم نصدق ونحن نمشط أزقة الحاسي بأعيننا يمينا وشمالا، أن مظاهر الحياة تلك تنتمي إلى سنة 2015! مظهر عام يذكرك بأحد الأسواق الكائنة بدائرة عين ڤزام، على الحدود الجزائرية النيجيرية المسماة “سوق قريش”، إلى جانب مظهر الطرقات والأزقة التي تجد نفسك مرغما على بذل جهد للسير فيها، من فرط الحفر والغبار، فضلا عن المظهر العام للمحلات التقليدية الذي يدخلك في بنية نفسية تحس فيها بأنك تعيش في عصور أخرى.ويقول مصدر يقطن بالحي، ما يزال على صلة بفرع جمعية العلماء المسلمين هناك، إن أحياء الحاسي والطورو والصنوبر وسيدي الهواري وسيدي البشير، ما تزال إلى غاية اليوم تشكّل محيطات مفضلة للجماعات السلفية المتشددة، وهي مجالها الحيوي الذي تكثر فيه مصلياتهم ومساجدهم غير المراقبة، لا في خطاباتها ولا أيضا في التجمعات التي تحتضنها، وهي جماعات أعادت بناء نفسها تبعا للتطورات الحاصلة في المحيط الدولي، أي عبر التماهي مع المستجدات التي ظهر بها تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية “داعش”، تماهي يأخذ معنى الاعتزاز بالقوة التي ظهر بها ويحيي فيهم بفضلها أحلامهم القديمة. شابان في “داعش”ويشير المصدر نفسه إلى أن فرع جمعية العلماء المسلمين المتواجد بالحي، بات يسيطر عليه متشددون منذ مدة، وقاموا بتغيير منهجها. فبعدما كان يؤطره أشخاص لهم فكر تنويري مستمد من المنهج السمح، أصبح التعصب اليوم هو سمته، بدليل أن الجمعية في وقت سابق كانت تقدم دروسا خصوصية للتلاميذ وأنشأت دارا للحضانة ووظفت معلمات. بينما حرص الأشخاص القائمون على تسييرها اليوم، على الفصل بين الإناث والذكور في تعليم التلاميذ، ورفض توظيف المعلمات بعد أن قاموا بفصلهن من العمل وتخلوا عن دار الحضانة.وكشف المصدر الذي عاش تجربة مع الجمعية، أن شخصين من التيار المتشدد بالحاسي التحقا، منذ أشهر، بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وقال: “إن قرائن عديدة تؤكد أنهما ينتميان إلى فرع جمعية العلماء المسلمين بالحاسي، وبات الأمر معروفا لدى الكبير والصغير بهذه المنطقة”. إلا أن مصدرنا لا يعرف ما هي الوجهة التي قصدها هذان المتطرفان: هل هي دولة العراق أم ليبيا؟وبات فرع جمعية العلماء المسلمين تابعا ضمنيا لمسجد “السنّة” الذي بناه أحد المتشددين، وهو ذو جاه ومال، لأنه لازال يموّله، بينما يسيره اليوم أحد التائبين ممن استفادوا من تدابير العفو والمصالحة الوطنية، بل إن أغلب المحلات الواقعة على مستوى الطريق المؤدي إلى المسجد، هي ملك لذاك الرجل صاحب المال، لكنه لا يشغل فيها إلا متشددين معروفين بولائهم له. الشام تغري التبليغيين والتكفيريينلكن: هل الذين التحقوا بما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بمدينة وهران، مقتصر فقط على هذين العنصرين؟في سياق إثارة مصدرنا لملابسات أخرى تتعلق بوجود نشطاء آخرين من السلفية في الحاسي والطورو وسان بيار، وحتى في قلب مدينة وهران، تسمي نفسها بجماعة التبليغ، تقوم بعمليات دعوية تبليغية داخل الجزائر وخارجها. ولا تزال عناصر هذه المجموعة إلى غاية اليوم تسافر إلى سوريا واندونيسيا واليمن وتونس، لنشر ما تسميه “الدعوة الإسلامية”، بينهم من يمكث هناك أشهرا، وفيهم من يبقى أسابيع ثم يعود، استنادا لشهادات تم استقاؤها من مقربين منهم.لكن السؤال يبقى مطروحا بشأن العناصر التي فضلت البقاء هناك؟ أما جماعة الهجرة والتكفير، فعادة ما يهاجر عناصرها إلى الشام بغرض الاستقرار نزولا عند معتقد ثابت لديهم، وهو انتظار نزول المهدي المنتظر هناك. وعلى هذا الأساس، يصعب تمييز وضبط العناصر المتشددة التي التحقت بـ”داعش”، من تلك التي اعتادت السفر إلى الشام، في وقت يشير شهود عيان إلى وجود فرق ومذاهب للسلفية تتقاسم فيما بينها طموحات مختلفة في هذه الأحياء الشعبية الساخنة، بينهم من كان في الجبال خلال العشرية الدموية، وفيهم من كان في معتقلات الصحراء بشبهة مؤازرة الجبهة الإسلامية للإنقاذ والانخراط في أعمال إرهابية.فأحياء الحاسي والطورو والصنوبر وسيدي البشير وسيدي الهواري وسان بيار، وغيرها، هي أيضا حزام واسع للفقر يقطنه آلاف السكان. رقم فاعل في معادلة ألاعيب السياسيين، طالما أن سكان هذه الأحياء هم احتياطي انتخابي فقط ينشط فيه سماسرة الانتخابات، وما إن ينتهي هذا الاستحقاق، حتى تعود الأحياء تلك إلى واقع بؤسها ويأسها. 1000 دولار أجرة المقاتل الواحدويقول مصدرنا، نقلا عن أحد التائبين الذي ألح على عدم ذكر اسمه ونصبه ضابط سام في الأمن بوهران للقيام بوساطة مع مجموعة من التائبين والمعتقلين لاحتواء محاولات التحاقهم بـ”داعش”، مقابل تسوية مشاكلهم الاجتماعية، إن بعض الأشخاص قدمت لهم “داعش” 1000 دولار مقابل الالتحاق بصفوفها، لكنه لم يحدد إن كان هذا المبلغ هو أجر شهري، أم أجر عدة شهور. وأسند لهذا الشخص التائب مهمتان، تكمن الأولى في جمع المعلومات عن شبكة الأشخاص الذين يشجعون الشباب على الالتحاق بـ”داعش”، بينما تتمثل المهمة الثانية في الاتصال بإحدى السيدات التي تقيم بقلب مدينة وهران، وتسمى لدى هذه الجماعات المتشددة بـ”الحاجّة”، التي لازالت تحظى بمكانة محترمة في صفوفهم، والحديث إليها بشأن قيامها بمهمة إقناع التائبين بعدم الانخراط في “داعش”.“الحاجّة” ترفض دور الوساطة إلا أن “الحاجّة” التي يستأثر بها من تسميهم بـ”الإخوة” في مسائل الخطوبة والزواج والنصيحة، رفضت العرض والمهمة من مبدأ أنها لا تتفاوض مع الأمن. بينما يقول مصدر مقرب من هذه المرأة، إن التائبين مازالوا ينظرون بعين الريبة والشك إلى هذا الشخص، لأنه يشتغل لحساب السلطة، بعد أن وعدته بالمناصب والمال. وقد اعترف هذا الشخص الذي قبل مهمة الوساطة في مسعى إقناع عدد من المتشددين بعدم الانخراط في صفوف “داعش” لأحد مقربيه، بعد أن فشل في مسعى الاتصال بالتائبين وإقناعهم، اعترف بأن الجهة الوحيدة التي أوكلت له مهمة تمثيلهم لدى والي وهران، هم مجموعة كبيرة من المساجين ممن قضوا سنوات طويلة تصل إلى 15 سنة في معتقلات الصحراء الجزائرية كعين أمڤل ورڤان وواد الناموس، وغيرها، بشبهة مؤازرتهم لـ”الفيس”، وذلك بتقديم عريضة مطالب اجتماعية إلى الوالي، وفي مقدمة هذه المطالب توفير السكن والشغل، كل ذلك مقابل عدم التحاقهم وانخراطهم في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. من واد الناموس إلى “داعش”هذا الشخص الذي يجتهد حاليا لمقابلة والي وهران ليقدم له عريضة المطالب، قال لمقربيه بالحرف الواحد “هناك مجموعة من الأشخاص ممن أطلق سراحهم من معتقلات الصحراء قبل بضع سنوات، قد التحقوا بـ”داعش” في الآونة الأخيرة. بين هؤلاء من قضى 15 عاما في هذه المعتقلات، ونحن نسعى لحل مشاكلهم حتى لا يلتحقوا بصفوف تنظيم الدولة الإسلامية”، موضحا في سياق ذلك أن عددا من الأشخاص التائبين طالبوه بإدماجهم مع الأشخاص الذين اعتقلوا قصد تقديم لائحة مطالب اجتماعية مشتركة إلى الوالي، إلا أنه رفض مطلبهم، لأن وضعهم يختلف عن وضع المساجين، كونهم كانوا في الجبال.فهل يعني ذلك أنه يوجد في صفوف التائبين أيضا من يريد الالتحاق بصفوف “داعش”؟ في ظل تأكيد مصادر أخرى على صلة ببعض التائبين، على أن هذه المجموعة ظلت متشددة ومحيطها صلبا وصعبة الاختراق. وهل يعني ذلك أيضا أن عددا من العناصر التائبة التي كانت في الجبال قد التحقت بـ”داعش”، خاصة وأنه منذ شهر جانفي إلى غاية شهر أفريل قامت مصالح الأمن باستدعاء عدد من التائبين للتحقيق معهم والتأكد من عدم مغادرتهم للتراب الوطني، وكذا استقاء حتى معلومات منهم عن آليات وكيفيات الانخراط في صفوف ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. ذبح المصريين في ليبيا.. الإنذار!والحقيقة أن مصالح الأمن تلاحق، منذ أزيد من العام، “خلايا جهادية” تتولى تجنيد مقاتلين لصالح “داعش” في ليبيا، خاصة وأن عملية ذبح الرعايا المصريين في ليبيا، العام الماضي، من قبل هذا التنظيم، كان بمثابة إنذار قوي موجّه لدول الجوار، بينها الجزائر، وربما مؤشر آخر على أن هذا التنظيم يحضّر لضربة ضد الجزائر لا تقل عنفا عن تلك التي استهدفت المركب الغازي تيڤنتورين، باستعمال متطوعين جزائريين التحقوا بصفوفها، بعد أن أصبحت ليبيا وجهة مفضلة للجهاديين الراغبين في الالتحاق بمعسكرات الجهاد العالمي، بسبب العوامل الجغرافية المساعدة، وذلك عبر الحدود الجزائرية الليبية.وتكون السلطات الجزائرية قد فهمت هذه الرسائل المشفرة من قبل تنظيم “داعش”، وترتب لعمل استباقي لرد الضربة ضربتين.. ولعل الجولات التي يقوم بها قائد أركان الجيش نائب وزير الدفاع الفريق ڤايد صالح لعدد من النواحي العسكرية، ولاسيما الحدودية، للوقوف على مدى الجاهزية القتالية للجيش، يندرج في سياق عملية الاستباق هذه.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: