الزاوية العلاوية بباريس عنوان لتقديم تعاليم الإسلام السمحة

+ -

أجواء دينية ونفحات إيمانية مِسكها القرآن الكريم تعيشها الجالية المسلمة بباريس هذه الأيام المباركة في شهر رمضان، فعلى غرار المساجد التي تمتلئ عن آخرها، خصوصا نهاية كل أسبوع لأداء صلاة التراويح، فالزوايا هي الأخرى تفتح أبوابها أمام محبيها وأتباعها ومريديها للمسلمين وغير المسلمين. “الخبر” زارت الزاوية العلاوية في باريس من أجل مشاركة أتباعها ومحبيها الشعائر الدينية والروحانية خلال الشهر الفضيل، وكانت المناسبة أيضا للحديث عن أهمية دور الزوايا في تقديم صورة الإسلام السمحة وتعاليمه النبيلة، سيما في أوروبا وفرنسا على وجه الخصوص، بعد الأحداث الدامية التي كان المسلمون والإسلام أول ضحاياها.وصلنا إلى المقر الجديد، الذي تم استئجاره بـناحية “درانسي” لاستيعاب أكبر عدد ممكن من المحبين المسلمين وغير المسلمين، وكان ذلك في حدود الثامنة مساء، وهو التوقيت الذي يلتحق فيه تقريبا جميع المحبين والأتباع كي يستهلوا “الجمع”، حيث تكون البداية بجلوس الجميع من المحبين، نساء والفقيرات كما يسمين والرجال، في شكل حلقة حول مقدم الزاوية الذي يبدأ بالورد وتلاوة سورة الواقعة، وذلك وفقا للتعاليم الصوفية، ثم يليها الاستغفار وبعدها الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وسلم يعقبها التوحيد بـ«لا إله إلا اللّه”، ثم الشكر بالحمد للّه وذكر أسماء اللّه تليها حلقة السمع، وهنا تنطلق الحناجر في أناشيد القصائد الشعرية للشيخ العلاوي، أو أكبر مشايخ التصوف، وهو ما يستغرق تقريبا ساعتين من الزمن، تقشعر لها النفوس لحلاوة ما تسمع وعذوبة الذكر وطراوة الكلام.في تلك الأوقات الروحانية اليومية يحين موعد الأذان، حيث توقف جميع من كان في فضاء الزاوية، بينما كانت بعض الفقيرات قد اغتنمن الفرصة لتجهيز موائد الإفطار الجماعي داخل الزاوية، بعدما تم قبلها تكليف من يرغب في إحضار المأكولات وهو واحد من الجماعة، وفي الحقيقة الجميع هنا يشارك، لأن الأمر يتعلق بفعل خير، بعدها يقوم الجميع لأداء صلاة المغرب. بعد الفراغ من الصلاة تم جلب الشاي بالنعناع، وهذا الأمر يعتبر من عادات الزاوية العلاوية، إذ لا يمكن لأحد أن يدخل الزاوية ولا يرتشف كوبا من الشاي الأخضر.  تتواصل الروحانيات في كل أرجاء الزاوية، وبعد الفراغ من صلاة التراويح أتى المقدم في مدح الرسول صلى اللّه عليه وسلم بما يسمى بـ«الهمزية”، سميت كذلك نسبة للهمزة التي تنتهي بها الكلمات للشيخ اللبناني يوسف علي إسماعيل النبعاني الذي عاش في العشرينيات، وبعدما انتهى من ذلك، استهل صلاة “المشيشية” دائما في مدح المصطفى الحبيب وهي الصلوات التي تستمتع بها الأذن لسلاستها طبعا. تلك القشعريرة لم تبرح مكانها أمام قوة الصوت العذب واللحن الشجي، حيث يردد الجميع في آن واحد الصلوات المحفوظة عن ظهر قلب.بعدها تناول المقدم المناجاة، أي التوحيد المحض قائلا “إلهي أسألك بأعز من ناجاك وأفضل من دعاك أن تمطر على قلبي شآبيب عطفك وسحائب رضاك وتلقي فيه حلاوة ذكرك ويقظة من غفلاته حتى لا يشاهد سواك وتثبته على طاعتك وتقويه على تقواك”، وطبعا إبريق الشاي ورائحة النعناع لا تزال تملء الأكواب من الحين إلى الآخر، تلتها اللطفية “أياربي ألطف” والجلالة “لا إله إلا اللّه”، ليتم ختم الجمع بآيات قرآنية والدعاء. وبعدها انتهى “الجمع” بمذاكرة، والمقصود بها درس يتم من خلاله طرح المواضيع التربوية والتفسيرات القرآنية والأحاديث النبوية تكون في شكل حلقة للفقيرات.وما لفت انتباهنا وسط الجمع وجود العديد من النساء والرجال الفرنسيين الذين اعتنقوا الإسلام وهم يرددون الأناشيد ومدائح السمع عن ظهر قلب ويتكلمون اللغة العربية فرحين بتواجدهم بهذه الزاوية، في الوقت الذي يجهل العديد من أعضاء الجالية الجزائرية وجود الزاوية العلاوية، أو بالأحرى الزوايا بصفة عامة، باستثناء بعضهم الذين ربما هم على علم بنشاطات الجمعية الدولية غير حكومية “عيسى” بباريس أو من سبق وأن حضر مهرجانا من مهرجانات الجمعية الخاصة بالمولد النبوي الشريف.انطباعات داخل الزاويةسهلي زوليخة من أتباع الزاوية والناشطةفي جمعية “عيسى” الدولية “مهمتنا الجوهرية، سواء داخل الزاوية العلاوية أو في النشاط الجمعوي، تكمن في نشر ثقافة السلام والتعايش معا وتطوير الحوار بين الديانات، حرصا منا على الحفاظ على القيم الإنسانية التي تزخر بها الطريقة العلاوية، خاصة أن هذه الأخيرة أبوابها مفتوحة أمام الجميع مسلمين أو غير مسلمين، هؤلاء من الأوروبيين والفرنسيين يتوافدون بكثرة على الزاوية وأغلبهم يأتون للبحث ومحاولة التعرف على الآخر والتقرب من الديانة الإسلامية، حيث تستقطب الزاوية عددا معتبرا من مختلف الشرائح، كما أن هناك العديد أيضا الذين اعتنقوا الإسلام واحتضنتهم الزاوية وأصبحوا من أتباعها ومحبيها، رجالا ونساء”.الفرنسية أوريلي سلمى معتنقة للإسلام ماستر في الإسلامولوجيا “لقد اعتنقت الإسلام سنة 2003، وذلك نتيجة احتكاكي بالعديد من المغارب،ة ولكن قبل ذلك كان لديّ فضول للتعرف على الديانة. وفي يوم كنت أعمل في مشروع حول الوضع الصحي للنساء في المغرب فزادني ذلك تشبثا بهذه الديانة، إلى أن قررت سنة 2003 اعتناقها، بعد أن التقيت بزوجي السابق من أصول جزائرية، ومعه قمت بالتحدث بعمق عن الإسلام، لكنني لم أتوقف عند هذا الحد بل اجتهدت لكي أتعرف أكثر على الديانة الإسلامية بغية تطوير إيماني ومضاعفته فالتحقت بجامعة إسبانية لدراسة الإسلامولوجيا، وتحصلت على شهادة ماستر، وهي الدراسات التي ساعدتني وسمحت لي بالتقدم كثيرا في الإسلام. وأنا هنا داخل الزاوية أحس أنني وسط عائلتي الثانية. هناك اختلاط متنوع يشعرنا بالدفء العائلي مملوء بالأخوة والتقاسم، فنحن نتعايش معا، وهو الجو مثلا الذي لا أجده وسط عائلتي الحقيقية، فمثلا إذا تحدثت عن الديانة من الجانب الروحاني فالكل يتفق معي ونفتح النقاش، ولكن بمجرد أن أتكلم عن القواعد الشرعية فيحدث الجدال. وحقيقة لا أخفي عليك أنني بعد الأحداث الأخيرة بباريس أصبحت متحفظة جدا للخلط الكائن بين الإسلام والثقافة والحضارة العربية. وعن اللغة فإنني أفهم بعض الكلمات، وفيما يخص السمع فأنا أحفظ عن ظهر قلب “اللطفية”، كما أني متشوقة جدا لإحياء ليلة القدر بمسجد باريس الكبير، لأنها المرة الأولى التي سأكتشف فيها إحياء هذه الليلة العظيمة بالذكر والتهجد والعبادة، واللّه يتقبل منا ومنكم”.الفرنسية إيزابيل عائشة معتنقة للإسلام دارسة للحقوق  “اعتنقت الإسلام سنة 2000 بعد قراءتي القرآن كاملا، الأمر الذي جعلني أولع بالديانة الإسلامية، خاصة أن عائلتي مادية لا تنتمي إلى أي ديانة، ولقد تنورت طريقي واتضحت أمامي عدة أمور دنيوية. وأما عن اللغة العربية فقد فتنتني عندما قمت بزيارة مصر، قبل أن أعتنق الإسلام، ولدى عودتي بدأت أتعلمها ثم التحقت بمسجد باريس الكبير حيث تلقيت دروسا مكنتني من القراءة والفهم أيضا. وفيما يخص الزاوية العلاوية فإنني أحفظ السمع عن ظهر قلب، وهناك كذلك من يساعدني داخل البيت وهو زوجي من أصول مغربية”.نوال زرقين: “إحياء ليلة القدر من أروع “جمع” الليالي الرمضانية” قالت المحبة ومن أتباع الزاوية العلاوية بباريس نوال زرقين بأن إحياء ليلة القدر من أروع “جمع” الليالي الرمضانية بالزاوية، حيث تحتفل الأخيرة أولا بالليلة العظيمة داخل مقر الزاوية باجتماع كل الأتباع لتحييها مرة ثانية في اليوم الموالي بالقاعة الشرفية التابعة لمسجد باريس الكبير. وأضافت أن التحضيرات جارية على قدم وساق لعيش تلك الأجواء الروحانية الاستثنائية التي تتميز بها ليلة القدر. أما عن أجواء الاحتفالات فهي لا تتغير مقارنة بالسنوات الماضية. تجدر الإشارة إلى أن السيدة نوال زرقين علاوة على أنها من محبي وأتباع الزاوية العلاوية المنخرطين، فهي عضو ناشط في الجمعية الدولية غير الحكومية “عيسى” بباريس.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: