تعاونيات فلاحية مفلسة ومسيّروها "مرفهين"

+ -

فجّر أعضاء لجنة الاستثمار والتنمية المحلية والتجهيز والتشغيل بالمجلس الشعبي الولائي بڤالمة فضيحة حول واحد من الملفات “الملغمة” بالولاية، ويتعلق الأمر بالتعاونيات الفلاحية التي تنشط خارج الأطر القانونية منذ أكثر من 30 سنة، ولا رقيب ولا حسيب على نشاطها.تساءل أعضاء اللجنة عن الصمت التام للجهات الوصية حيال بيع تجهيزات وعتاد بالملايير، وتأجير وبيع واختفاء مقرات، وتجاوز القانون الأساسي، وتغيير النشاط، وتحول مقراتها إلى أسواق تجارية “موازية” قوامها مسيرون عقدوا صفقات بيع وشراء وتأجير لمحتويات التعاونيات لأشخاص وجهات من خارج قطاع الفلاحة، وهو ما يتجسد في الاستثمارات التي اختفت وأخرى تعاني الركود.واقترح الأعضاء تقديم لائحة للوالي لتحريك تحقيق قضائي أو أمني لكشف التلاعب بالمال العام، واستدراك نوايا المسيرين الذين انتهت خدمتهم ومازالوا يحتكرون التصرف في مصير التعاونيات لبيع ما تبقى من “العقارات”، مستغربين حالة التناقض بين تعاونيات “مفلسة” بداخلها مسيرون “مرفهين”.منتخبون يطالبون بإعادة هيكلة التعاونيات وخلق مرصد لمراقبتهاطرح أعضاء اللجنة المكلفة بالملف وأعضاء من باقي اللجان المشكلة للمجلس الشعبي الولائي، خلال دورته العادية الأولى لسنة 2015، مجموعة من الأسئلة التي تحمل الاستغراب والحيرة حيال مصير التعاونيات الفلاحية التي قالوا إنها وجدت أساسا لتطوير الفلاحة ومن ثمة دعم الاقتصاد الوطني، منها سؤال يتعلق بمستقبل التعاونيات بعد بيع العتاد والتجهيزات ومصير العقار الفلاحي، داعين إلى استدراك ما تبقى بعدم تركه عرضة للنهب بسبب سوء التسيير. من جهة أخرى، تساءل هؤلاء المنتخبون عن عمل التعاونيات غير المطابق للقانون، من ذلك عدم عقد جمعيات عامة ومجلس الإدارة، وغياب التقارير المالية السنوية أمام مصالح الفلاحة طوال سنوات، والتصرف في كل الممتلكات من بيع وإيجار دون ضابط أو مراقب، وطالبوا بإيجاد آلية قانونية لوقف مسيريها.وقال أعضاء المجلس إن واقع التعاونيات يكشف تناقضات كبيرة، فهي من جهة تعاني “الإفلاس”، ووضعية العمال فيها مزرية للغاية، فضلا عن تسريح العشرات منهم خلال سنوات، ونشاطها الفلاحي بمختلف فروعه “متوقف” تماما، في حين أن مسيريها يعيشون في رفاهية، ما جعل المنتخبين يطالبون بالتعجيل في إيجاد حل للعقار، واعتبروا أنه من الخطأ تركه ملكا للمجموعات التي لم تكن في المستوى، وطالبوا بإجراء تحقيق استعجالي، حيث ذكر أحد الأعضاء أن تعاونية فلاحية واقعة على طريق سدراتة مثلا تم تأجيرها سابقا، وحاليا توجد نية لبيعها وهو ما يستدعي التعجيل بالتحقيق في واقعها.وأضاف المعنيون أن الإصلاحات التي انتهجتها وزارة الفلاحة في هذا الشأن وصلت إلى طريق مسدود، والمشكل ليس محليا، حيث يتطلب الأمر إيجاد نموذج آخر لإعادة هيكلة التعاونيات الفلاحية، وقالوا إن الهيكلة التي تمت في 1987 لم تأت بنتائج والمخاوف التي تطرح اليوم تتعلق بتوجه الجزائر لمرحلة “ما بعد البترول”، وقال المنتخبون إنهم لم يجدوا تفسيرا لبيع العتاد الخاص بالتعاونيات في غياب مجلس الإدارة والمعنيين، وهو ما يتطلب– حسبهم- خلق مرصد مراقبة محليا تحت إشراف الوالي.أشار أعضاء المجلس من جهة أخرى في تدخلاتهم إلى أن نهب أموال العتاد الخاص بالتعاونيات لم يتوقف عند حد، وهو ما يتجلى في امتصاص خيراتها وتركها كـ«جيفة” عرضة للإهمال، ومقراتها من مستودعات ومخازن ومقرات عرضة للسقوط، خاصة بعد أن تم “تهجير” العشرات من العمال منها عنوة بسبب عدم تسديد مستحقاتهم، ولم يبق في بعضها سوى الحارس، حيث أشاروا إلى أن القانون واضح في هذا الشأن حيث خصص نسبة 7 بالمائة من عائدات التعاونيات لترميم مقراتها، ولكن هذه النسبة حسبهم لا أثر لها في الواقع، فأين مصيرها؟ وطالبوا تبعا لذلك بفتح تحقيق قضائي أو أمني، وقالوا “لو تطلب لأمر سنعد لائحة نقدمها للوالي ليتحرك على أساسها”.7 تعاونيات لتشكيل نواة للفلاحة بڤالمة فطمست النواة وغَيّبت الفلاحةاعتبر منتخبون أن السياسة التي انتهجتها السلطات العمومية منذ أكثر من 30 سنة كانت تتطلع إلى وضع أسس للفلاحة، من خلال خلق حوالي 7 تعاونيات بالولاية لتكون نواة حقيقية لتطوير القطاع في وحدة من لولايات المعروف عنها أنها ذات طابع فلاحي، غير أنها اليوم جانبت التوجهات والآمال أيضا، فهي تعاني التدهور الكبير نتيجة التجارة الموازية التي ظهرت في القطاع، وقالوا إن الفلاحين متواطئون في بيع ممتلكات التعاونيات، وهذا كله انعكس سلبا على واقع المنتوج وما وصلت إليه أسعار الخضر من سقف رهيب. وأشار الوالي في هذا السياق إلى أن تحقيقات فتحت على مستوى التعاونيات ووعد بتطبيق القانون مهما كانت الظروف، كما ذكر مدير الفلاحة أنه تمت مراسلة وزارة الفلاحة في هذا الشأن قبل توجيه إعذارات للتعاونيات، وقال إن السماح للتعاونيات لبيع بعض معداتها كان متنفسا للخروج من الأزمات المالية وحل مشاكلها، غير أنه لا أحد استجاب لذلك، حتى إن بعض التعاونيات تجاوزت القانون الأساسي وغير مسيروها نشاطهم إلى بيع المسمار وسيتم متابعتهم قضائيا.تعاونيات فلاحية تعمل خارج القانونأشار تقرير لجنة الاستثمار الذي فضح مختلف هذه التلاعبات بالمال العام وبالتفصيل إلى أن الولاية تتوفر على 10 تعاونيات مهمتها الأساسية تمثلت في التمويل والخدمات، لكن أغلبها لا يساير القانون الجديد وليس لها قانون أساسي وتمارس نشاطها على شكل خواص، ولا تقدم حصيلة نشاطها السنوي، وبقيت إمكانيات غير مستغلة. وعاد التقرير إلى الجانب القانوني لذي أنشئت على أساسه التعاونيات التي وجدت بناء على القانون 88- 170، المؤرخ في 13 سبتمبر 1988 المنظم لها، والذي أفرز تشكيل تعاونية الخدمات والتموين بكل من ڤالمة وحمام دباغ وبوشقوف ووادي الزناتي ولخزارة وتعاونية تربية الدواجن ڤالمة وتربية النحل، وبعد اعتمادها في 6 مارس 1995 بقانون أساسي لكل منها، صدر في ديسمبر 1996 قانون جديد يحمل رقم 96- 459 يحدد تنظيمات التعاونيات الفلاحية، لكن لم تستطع التعاونيات التوصل لصياغة قانون أساسي خاص بها، ورغم توجيه إعذارات متعددة لها وكان آخرها في جانفي 2013، بقي مسيّروها غير مبالين بالتوجيهات القانونية واستمروا في بيع العتاد والتجهيزات وكراء العقارات لمؤسسات لا علاقة لها بقطاع الفلاحة طبقا للقوانين 88- 170 الصادر في سبتمبر 1988، والقانون 496 الصادر في ديسمبر 1996.وذكر تقرير اللجنة في ذلك أن تعاونية الري والصرف “سيرام” المنشأة في 1981 تحت اسم “كوسار” ثم “كوب سيد” بها 5 عمال، من بينهم حارسان والآخرون إطارات متقاعدون دون أجور منذ سنتين، ولا تتوفر على وسائل إنتاج أو نقل أو عتاد، وتشغل مساحة تقدر بحوالي 3 هكتار في منطقة إستراتيجية مهملة تماما، بها 3 مستودعات كبيرة على وشك السقوط، ورغم توفرها على اعتماد إلا أنها لا تمارس أي نشاط، وممتلكاتها تقدر بأكثر من 6 ملايير دج منوعة بين عقارات وعتاد ومخزون، غير أنه تم بيع كل العتاد من جرار ورافعة وآلة التسوية وكذا كراء كل الممتلكات للخواص، ولا يظهر أي مجهود لتطبيق البرامج المحددة كالفلاحة والري.متقاعدون يسيّرون ومستودعات اختفت من الخارطةكشف القرير وضعيات تكاد تكون مشتركة بين مختلف التعاونيات من حيث تجميد النشاط الفلاحي والإهمال، فحالة تعاونية تربية الدواجن والنحل بڤالمة لا تختلف كثيرا، حيث إن الوحدة المنجزة في سنة 1980، وتحولت إلى تعاونية بموجب الهيكلة في سنة 1990، تعيش فوضى كبيرة بسبب نشاطها غير الشرعي لمعظم الخواص ودون مراقبة حيث لا يخضعون للجباية، كما تم إدخال كميات كبيرة من المعدات والمواد الأولية المقلدة من دول مجاورة، تتوفر على مقرات كبيرة في عدة مناطق بالولاية، وتم تأجير كل البنايات للغير وبيعت كل تجهيزات الاستغلال، كما لم تقدم الحصيلة المالية للمديرية الوصية.وبدورها، عرفت تعاونية تربية الدواجن والنحل فرع قصر العازب ببلدية عين رقادة تغيرا في نشاطها من تربية الأبقار إلى إنتاج البيض، ورأت اللجنة أن فرص التشغيل للشباب في الوحدة منعدمة كون عمالها من المدير إلى الحارس أحيلوا على التقاعد ثم عادوا والتحقوا بالعمل عن طريق عقود، ومن بينهم عسكريون متقاعدون تحصلوا على العقود، ولا تحقق البلدية أي فائدة رغم تواجد التعاونية فوق ترابها. وكانت التعاونية تتوفر على مستودعات في المداشر أنشئت لتربية الأغنام والأبقار والدواجن، لكن بعضها حسب التقرير اختفى والبعض الآخر أهمل والآخر استولي عليه دون معرفة طريقة استغلاله.تعاونية بوشقوف بيعت وحولت لصناعة المسمار ومقر “كوبوليف” تحول لمخزن للقماشكما عرفت بعض التعاونيات تغييرات في نشاطها الأساسي، والذي يتمحور حول الفلاحة وبكل منتجاتها، وقدمت مثلا في ذلك بتجاوز القانون مثلما حصل بالتعاونية الفلاحية للخدمات والتموين “كاس” المنشأة في سنة 1962. وأشار معدو التقرير إلى أنها عرفت تغيرات في تسميتها من “كاساب” بعد إعادة الهيكلة في 1989 قبل أن تحمل اسم “كاس” في الوقت الحالي، وتقوم بتموين الفلاحين بالأسمدة والأدوية والبذور وأغذية الأنعام وبذور البطاطا خاصة، وتم توقيف التموين للتعاونية بقرار من مديرية الفلاحة، وهي تشغل 35 عاملا وتحتوي على 16 غرفة تبريد، وهو ما يجعلها أهم غرف التبريد بالولاية بحجم 12 ألف م3 وطاقة تخوين 50 ألف قنطار، لها وحدتان إحداهما ببلدية بوعاتي محمود تشتغل نسبيا، والثانية بالنمشاية مهملة تماما منذ أكثر من 30 سنة، لها مستحقات عند الفلاحين لم تسترجع تصل 5 ملايير سنتيم، وأكثر من مليار سنتيم لدى المسؤولين السابقين يرفضون تسديدها.وذكرت اللجنة أنه تم بيع كامل العتاد من قِبل مسؤولي الإدارة السابقة، والمدير السابق مازال يشغل المسكن الوظيفي بالتعاونية رغم انتهاء خدمته، كما تم بيع العتاد المتمثل في جرار وآلة حصاد ودرس، وتم تأجير مساحات لمؤسسات لا علاقة لها بقطاع الفلاحة.وبخصوص تعاونية بوشقوف أشار التقرير إلى أنها متوقفة عن النشاط منذ 2006، وتم بيع ممتلكاتها من قِبل مصالح أملاك الدولة لوحدة خاصة لصناعة المسامير. كما استعرض التقرير بخصوص تعاونية بومهرة أحمد “كاساب” أنه تم بيع جميع المعدات والأجهزة التي كانت تتوفر عليها، ولم تسجل اللجنة أثناء تنقلها أي نشاط فلاحي، وتم تأجير كل البنايات، كما قامت مصالح الضرائب بالحجز عليها لبيع عقاراتها عن طريق المزاد العلني، غير أن الوالي تدخل وأوقف الإجراءات. وبخصوص تعاونية تربية المواشي والأبقار في بلدية بخير أشار المصدر نفسه إلى أنه تم بيع جميع معدات الاستغلال وتم إيجار بعض معاصر الزيتون المشكلة للحظيرة للخواص دون عقود ودون تطبيق الإجراءات القانونية، وبعضها الآخر بقي مهملا، كم تم إيجار مقر “كوبوليف” القديم للخواص وتم تحويله إلى مخزن لبيع القماش، ودون أن تقدم الإدارة تقريرا في ذلك عن حصيلتها المالية. ومن ناحية أخرى أشار التقرير إلى أن تعاونية مجاز الصفاء “كوبسام” غير موجودة، أي “اختفت تماما” حسب ما دوّن في التقرير دون أن تعرف الأسباب.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات