+ -

 لأول مرة منذ تفجر الخلاف في تنسيقية الانتقال الديمقراطي، يتحدث عبد الله جاب الله، رئيس جبهة العدالة والتنمية، عن أسباب وخلفيات رفض حزبه للمشاورات التي تجريها حركة مجتمع السلم مع السلطة، وتأثير ذلك على عمل تنسيقية المعارضة مستقبلا. كما تناول جاب الله في الحوار الذي خص به “الخبر” في مقر حزبه، قضايا التعديل الحكومي والتعيينات العسكرية وعودة نشاط الجماعات الإرهابية.“نجد مشكلا في إقناع دوائرنا التي تقول إنكم تنسقون مع أولياء النظام  فكيف بباقي الشعب”   “الداعون للدولة المدنية من رجال الرئيس متاجرون بالمصطلح”      “ليس لدي الاستعداد لأحضر كل اجتماعات التنسيقية وقد مللت من هذه المسائل”  “خلافة بوتفليقة مطروحة سواء أبقاه الله أو عجّل به” اجتمعتم في لقاء المكتب الوطني لمناقشة مصيركم في تنسيقية الانتقال الديمقراطي، ما الداعي لذلك؟  نحن لم نناقش مصيرنا في التنسيقية، فنحن من بناتها ومن الذين صنعوا أفكارها ومشروعها السياسي، وهي ليست تنظيما وحدويا بديلا عن التنظيمات الأخرى، وإنما يعمل أعضاؤها في إطار التنسيق، كما يدل على ذلك اسمها. ولكننا قوم أوفياء لمبادئنا ونمارس السياسة بالخلق، ونريد أن يفعل غيرنا كذلك، لأننا نرى أن الذي ينفع أي عمل، سواء أكان عملا خاصا أو تنسيقيا، إنما هو أن يكون هذا العمل صحيحا ويتحلى أصحابه بالصدق والوفاء.التنسيقية لم يجتمع أفرادها اجتماعا شكليا. نحن مع بعضنا بعضا لا نتعامل بمنطق المثل الشعبي “القافلة واحدة وكل واحد عينو على بعيرو”. نحن اجتمعنا على رؤية واضحة في منطلقاتها وواضحة في رؤيتها في كيفية الخروج من الأزمة وتحقيق الانتقال الديمقراطي.أما في الجزئية التي كثر فيها اللغط، فالاتفاق الحاصل هو أننا لا نعترف بشرعية بوتفليقة ولا نتحاور مع نظامه، لذلك لما عرض علينا أويحيى الحوار حول الدستور رفضنا من هذا المنطلق. لا نتحاور مع النظام إلا على أساس خارطة الطريق التي رسمتها التنسيقية وأن يتم ذلك بالتشاور. فلما حصل ما حصل رأينا أن الذي حصل فيه خرق لمبدأ من المبادئ الضرورية للعمل التنسيقي قد يلحق بالغ الضرر بالتنسيقية نفسها ومشروعها. لذلك غيرة منا على التنسيقية ورغبة منا في نجاح مسعاها وغيرة منا على أطراف التنسيق، وقع هذا التنبيه.وقع تنبيه، لكن حمس في مجلس شوراها الأخير، زكت رئيسها للاستمرار في المشاورات، ألن يؤدي ذلك إلى طريق مسدود؟  من أجل هذا دعونا أعضاء التنسيقية للاجتماع من أجل التشاور والتقييم للمرحلة السابقة والنظر في المرحلة القادمة، مما يرشد عمل التنسيقية وسنطرح رأينا بوضوح وندافع عنه.. فإن وجدنا أن الناس تجاوبت مع ما نعتقد أنه أوفى للتنسيق وأخدم له، فذلك ما نريد. وإن وجدنا خلاف ذلك، فسنطرح الأمر على مجلس شورى الجبهة ليتخذ ما يراه مناسبا.يبدو الخلاف متركزا بينكم وبين حمس، هل هذا راجع لحساسية تاريخية بينكما؟  لو استحضرت الماضي ما اشتركت معهم في هذا العمل. بل أنا طويت الماضي. وما التفت إليه وأعجبني كثيرا، أن حمس تسير في المعارضة، ولكنني أحب أن تسير في المعارضة بصدق وفعالية، ولذلك ما ذهبت إليه هذه التأويلات كان مجانبا للصواب، نحن لا نلتفت إلى الماضي أبدا ونتطلع إلى المستقبل.حمس تقول إن قرارها المتعلق بالمشاورات مستقل وسيد، وهو لا يتداخل مع نشاطها في التنسيقية، ما رأيكم؟ هذا الطرح ليس صحيحا.. والصحيح أن كل من ينتمي إلى تنظيم أو تكتل يكون بين أعضائه تنسيق، فهذا يعني أن الأطراف المنسقة قد تنازلت عن استقلالية قرارها السياسي في الموضوع محل التنسيق، وأصبح ما تم الاتفاق عليه هو الموجه لعملها في تلك الجزئية. أنظر إلى الدول التي وقّعت معاهدة مع بعضها بعضا، أيعقل أن تبرم دولة ثم تقول إنها سيدة نفسها وتخالف المعاهدة؟! هذا كلام لا يستقيم. كذلك الحال بالنسبة للأحزاب، إذ تكون قد مارست سيادتها في كونها شاركت في صياغة الاتفاق، فأضحى الاتفاق رأيها ورأي جميع من شارك فيه ورضي به، ويلزمها الوفاء بذلك.هم قالوا إنه ليس تفاوضا باسم التنسيقية، ونحن ملتزمون بالخط؟  لما يذهب هو أو غيره.. سواء ذهب ليتحدث بموضوع التنسيقية أو رؤيتها للحل أو رؤيته هو، فمادام لم يعد إلى التنسيقية ولم تفوضه، يكون هذا الفعل خطأ لا يليق. نحن اتفقنا على رؤية لحل الأزمة، ولدينا رؤية مشتركة لابد أن ندافع عنها. مثلا نحن جاءتنا دعوة لحضور مؤتمر الأفالان، فكلفت الأخ عمر خبابة بالحضور، وقبل أن يفعل قلت له تناقش مع زملائك في التنسيقية إن رأوا الحضور، أحضر وإن لم يروا لا تفعل، لأن المؤتمر جاء في أجواء تهجم من الأمين العام للأفالان على المعارضة، فما أحببت أن يسجل علينا موقف ولو بسيط، فكيف بمن طلب الحوار مع بوتفليقة ثم استقبله رئيس الديوان والتنسيقية لا علم لها بأي شيء! إذا تكلم في هذا اللقاء برؤيتهم هم للحل، فيكون قد أخطأ، لأن المفروض أنه ملتزم برؤية التنسيقية، وإذا تكلم برؤية التنسيقية يكون قد أخطأ، لأن لا أحد كلفه بذلك.لكن حمس تقول إن “النائب حسن عريبي من حزبكم التقى سلال.. فلماذا حلال عليكم وحرام علينا؟” هذا كالغريق الذي يريد أن يمسك بقشة متوهما أنها ستنقذه.. فرق بين أن يلتقي نائب بمسؤول في مسعى يهدف إلى محاولة حل مشكلة مواطن، وليس حاملا أي رسالة سياسية ولا مصرّحا من رئيس الجبهة، وبين أن يلتقي رئيس الحزب بطلب منه مع الرئاسة خلافا لما اتفق عليه. الأمران مختلفان. أنا أعلم أن منهم من يتراسل ويدعو للتواصل مثل أبو جرة سلطاني، لكننا لم نول ذلك أي قيمة، ما يهمنا هو موقف رئيس الحزب. الأخ حسن عريبي قام بما قام به بمحض إرادته، ولم يعد فيه إلى رئيس الحزب وليس مطلوبا منه ذلك، والمطلوب منه تقديم الخدمة للمواطن.هل يمكن إيجاد عذر لمقري إن كان فعلا يتعرض لضغوط دفعته لهذه المشاورات؟ أنا لا أرى في ذلك مبررا وليس هناك من ليست عليه ضغوط، ولكننا نواجه بما نراه مناسبا، فأحيانا نصبر وأحيانا نتجاوز.. ولكن أنا أرى بأن الوفاء لما تم الاتفاق عليه من أجل المحافظة على التنسيقية وإعطائها مصداقية أكثر للشعب، واجب وضرورة في الوقت نفسه.أعاب عليكم البعض عدم حضوركم اجتماعات التنسيقية، ما هي مبرراتكم في ذلك؟ أنا كنت واضحا مع الإخوة وقلت لهم منذ البداية إذا كنتم تشترطون حضوري، فإن الجبهة لن تشارك، لأني لا أستطيع ولا أملك الاستعداد لهذا الأمر. قلت لهم إذا رضيتم أن يمثل الحزب بمن هو مكلف، عندئذ الجبهة ستشارك ووافقوا على هذا الأمر. والحقيقة أني مثلما لا أحضر اجتماعات التنسيقية، لا أحضر اجتماعات غيرها، لا دعوات سفارات ولا أحزاب.. منذ زمن مللت من هذه المسائل، فقد أصبت حظي الوافر منها خلال سنوات مضت ولا أجد في نفسي الرغبة والاستعداد للاستمرار في الأعمال نفسها التي مللت منها.لكن التنسيقية عمل جديد لم يسبق لكم العمل فيه؟ هو جديد بالنسبة لهم، ولكنه ليس جديدا بالنسبة لي.. أنا عمري الطويل في النضال، هو ما جعلني أصاب بهذه التخمة، لكن الجبهة ممثلة وهذا الأهم.هل ستحضرون الاجتماع القادم للتنسيقية، وهل يقوم بن بيتور بوساطة بينك وبين مقري؟ في الغالب، أقول في الغالب، سأحضر، لأنه سيعقد في مقر الجبهة. وليس صحيحا أن هناك وساطة بيني وبين مقري، لأن الخصومة غير قائمة والدكتور بن بيتور إنما زارني ليهدي لي كتابه مشكورا.البعض يقول إنه لعدم الحضور علاقة بالزعامة؟  لو كان ذلك لحرصت على الحضور، فالذي يريد الزعامة هو الذي يتحدث باسم التنسيقية باستمرار. أما أن يفر من الإعلام واللقاءات، ويترك كل شيء، فأي زعامة يريد؟ هذا أيضا للأسف من قالة السوء الذين لا يجدون ما يقولون.بعد سنة ونصف من نشأة التنسيقية، لا يزال يلاحظ حاجز بينها وبين الشعب، ما رأيكم؟ نحن نعاني منذ قررنا المشاركة في التنسيقية من مشكل كبير جدا، هو إقناع دوائرنا نحن بجدوى طي الماضي والتعاون مع هذه القوى على أساس الحاضر والمستقبل، وهم لا يريدون أن ينفكوا عن الماضي، فلطالما قالوا لنا أنتم تنسقون مع أولياء النظام، مع أحزاب شاركت في النظام وشاركت في تنفيذ سياسياته واستفادت منه، وبعد أن تركها النظام الآن تخندقت في المعارضة. لطالما شخصيا عانيت لمحاولة الإقناع بطي هذه الصفحة.. وإذا كان هذا حالنا، حال النخب الواعية، فكيف بحال بقية الناس التي لا تنسى الماضي وتستحضره.. لذلك على المعارضة في التنسيقية أن تفي الشعب في ما تقول وتصدقه وتبين أنها متخندقة معه ولا يصدر عنها أي موقف يشكك الشعب في صدقها ويعود به إلى مربع عدم الثقة. وما حصل مؤخرا، للأسف ألحق ضررا كبيرا بالجهد الذي بذلناه في الإقناع بنسيان الماضي.فاجأتنا السلطة على غير عادتها بـ3 تعديلات حكومية في شهرين.. علام يدل ذلك في اعتقادكم؟  يدل على ما وصل إليه النظام من فشل ووهن، ومن مظاهر ذلك اللجوء المتكرر للتعديل، وتراجع مستوى المسؤولية، وهذا كله للأسف يثقل مصاريف الخزينة بالمصاريف الزائدة، فخلال 20 سنة قد يكون مضى 700 وزير كلهم يتقاضون أجورهم إلى اليوم، فماذا لو صرف هذا المال العام في ما يخدم المواطنين؟لكن سياسيا، كيف قرأت خروج بن يونس وهو من شديدي الولاء للرئيس؟  وهل خروج بن يونس إقصاء نهائي؟ الأيام ستبين إن كان إقصاء أم رغبة في تغيير المواقع.. الله اعلم.هل الرئيس بوتفليقة هو من يقوم بهذه التعديلات أم محيطه؟ لا أظن، فالرجل في أوضاعه الصحية، لاشك أن هناك محيطا حوله هو الذي يدير هذه الأمور باسمه.وماذا عن التغييرات في المؤسسة الأمنية والعسكرية؟ في الظروف العادية قد ينظر إليها أنها إجراءات عادية.. لكن في ضوء القيل والقال قد يفهم بأن ذلك ضمن تصفية الحسابات والله أعلم بالحقيقة، فأنا لا أملك المعلومة الصحيحة التي تسمح ببناء التحليل السليم.البعض يتحدث عن صراع؟ الاحتمالان قائمان.. أن يكون فعلا صراع أو أنها مسرحية من المسرحيات لإلهاء المواطنين وصرف أنظارهم عن الوضع الذي يعيشونه.هل تعتقدون أن خلافة الرئيس بوتفليقة حاليا مطروحة؟  بكل تأكيد، خلافته مطروحة منذ ألم به المرض. فسواء عجّل الله به أو أبقاه، ففي النهاية الكل سينتهي أمره في هذه الدنيا، والدولة يجب أن يكون لها خلف، لكننا للأسف في منطق النخب الشمولية التي ترى في نفسها الأصل والشعب الفرع، فتدير هذا الموضوع بغير الطرق الشورية والديمقراطية.رجال الرئيس يقولون إن هذه التعيينات تصب في إقامة الدولة المدنية؟  إذا كان هؤلاء يؤمنون بالدولة المدنية التي يكون فيها الشعب هو الأصل وباقي المؤسسات الفروع.. والشعب يمارس سلطته عن طريق الاختيار النزيه، لتجاوبوا مع طرح التنسيقية التي دعت إلى وضع هيئة وطنية مستقلة يكون لها الوضع القانوني السليم.. الذي يرفض ذلك، ثم يتحدث عن الدولة المدنية، هو يتاجر بالمصطلح، لأنه لو كان يرغب فعلا لثمّن مطلب المعارضة. قد يقولون إن هناك مؤسسات، لكننا نرد عليهم أن لا ثقة لنا في وزارتي الداخلية والعدل، لأنهم أشرفوا على الانتخابات كلها، وكلها مزوّرة.لكن ألا يخدم إزاحة جهاز المخابرات من المجال السياسي والإداري إقامة الدولة المدنية؟  الملف الانتخابي لم يعد في قبضة المؤسسة العسكرية والأمنية منذ عدل قانون الانتخاب في 2003 وألغيت الصناديق الخاصة، لكن هذا لا يلغي استمرار تأثيرهم، لأن النظام الجزائري منذ عهد بومدين وهو من يتحمّل هذه المسؤولية في اعتقادي، قائم على التحالف بين البيروقراطية الموالية للعسكر والأمن، وأضيف له الثالوث الآخر اليوم وهو اللوبي المالي، وهؤلاء النخب نشأت نشأة غير سوية قائمة على التحايل والنهب والظلم، وهي مستمرة في هذه النشأة.كيف قرأت عودة الأعمال الإرهابية مؤخرا؟ الأسباب متعددة لا يمكن حصرها في سبب واحد. معالجة هذه الظاهرة مرتبط بمدى إرادة السلطة على إزالة الأسباب من الجذور ومتعلقة بأطراف أخرى للعلماء والأئمة والكتاب والإعلاميين، لكن أن يهمش الكل وتعالج فقط بسياسة الكل الأمني، فهذا لن يحل الإشكال.لكننا تجاوزنا الكل أمني.. ودخلنا منذ زمن طويل في سياسة المصالحة؟  الكل أمني لا زال متبنى. نحن دعمنا المصالحة على قصورها وما استمعوا لنا في سد القصور والثغرات.. ولما تسمع لاحقا أن هناك أناسا حوكموا في محاكم عسكرية بداية التسعينات وصدرت في حقهم أحكام بالغة الشدة لمجرد أنهم نووا القيام بأعمال تضر الأمن العام، ثم لا يستفيدون من قانون الرحمة والوئام والمصالحة ولا المراسلات التي تمت.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات