حقائق وشهادات لسكان بسطاء ومجاهدين حضروا الهجوم

38serv

+ -

تمر اليوم 60 سنة على هجومات الشمال القسنطيني ومجازر الاستعمار الفرنسي فيها، والتي عاشتها مختلف قرى ومداشر وشوارع وأحياء مدينة سكيكدة في منتصف نهار يوم السبت 20 أوت 1955، بتخطيط وقيادة البطل الشهيد زيغود يوسف بمنطقة الزمان في ضواحي بلدية بوشطاطة محمود، المعروفة آنذاك “براك سبور”، حيث تقرر تنظيم انتفاضة ضخمة لزعزعة فرنسا والإعلان عن الثورة الشعبية التي حاول الاستعمار خنقها، وفك الحصار عن الأوراس والمغرب الأقصى.الشريف نوار يتحدث عن بداية التخطيط للهجومات “أُسندت لنا مهمة خلط الثوم بالبارود” يقول الشيخ الشريف، صاحب 70 سنة، إن زيغود يوسف كان يجتمع بالسكان في محيط الصفيصفة بضواحي جبال سطيحة إلى منطقة الزمان، اتصال زيغود يوسف كان بسبب حرفته وهي الحدادة، حيث التقى مع كل من بلة أحمد ومحمد والنقوب وأصحاب العربات التي يجرها الحصان، وهناك خطّط للهجوم، خاصة تحديد الأماكن التي يختبئون فيها وكيفية جمع الأسلحة، كما أعطى أمرا للمجاهدين، ومن بينهم الشهيد محمد بوبايسة وقيزح عبد الله وبورنان أحمد وعلي قشي وناس وغيرهم، من أجل البحث عن الشباب في الأرياف وحثهم على الانضمام إليهم. وبعد حوالي 5 أشهر بدأت عملية جمع الأسلحة بمختلف أنواعها، بما فيها البيضاء وقارورات الغاز، وقبل 20 أوت بـ12 يوما، تم تحضير أكياس من الخراطيش ومسحوق البارود، “ونحن الشباب أسندت لنا مهمة نزع قشرة التوم وتفتيتها داخل الماء لوضعها في البارود، لأن مفعولها يجعل المصاب يعاني لسنوات، ودامت عملية التحضير لمدة 8 أيام وهناك تم توزيع المهام على الأشخاص وإرسالهم إلى كل من سكيكدة، رمضان جمال، القل، الحروش وسيدي مزغيش، وكان التركيز على صوت الآذان، وعلي قشي قتله عسكري مجند “سنيقالي” وهو يؤذن، وكل مسجد خصص له مؤذن.وعند اقتراب موعد 20 أوت 1955، شرع زيغود يوسف في توزيع الأسلحة على سكان المناطق، وكانت البداية بحرق مخزن للفول للمعمر “ملاس” الذي أطلق النار على المجاهدين، وفي ليلة 19 أوت، شكل زيغود أفواجا، في كل فوج واحد من الذين أدوا الخدمة العسكرية في صفوف المستعمر، كل واحد حسب المهمة التي كان يؤديها في الجيش الفرنسي، ويوم الهجوم أعلمنا زيغود ومن معه بمغادرة بيوتنا، لأن المستعمر قد يستعمل ضدنا الطائرات والأسلحة الثقيلة، وهو ما حدث، حيث قصفت كل البيوت والأكواخ، وقتل عدد كبير من المواطنين العزل بمنطقة سطيحة، وقتل كل من يصادفهم في طريقهم.مجزرة في صفوف المعمرين بمنجم الحديد بالعاليا في فلفلةبعدها تم الهجوم على منجم الحديد بالعاليا في فلفلة الذي شهد خسائر كبيرة من جانب المعمرين العاملين به، وكانت ردة فعل سلطات المستعمر الفرنسي على هذا الهجوم وغيره وحشية، خاصة أوساريس وجنوده الذين راحوا يقتلون كل عربي، وقد حدث هذا بشكل كبير في شارع السويقة وسط مدينة سكيكدة الذي كان مخصصا للعرب فقط، كما تزامنت الأحداث مع وصول باخرة للمسافرين قدمت من فرنسا أوقف الجنود الفرنسيين ركابها وقادوهم إلى ملعب كيطولي (أول ماي حاليا) ومنه إلى الملعب البلدي (20 أوت حاليا) الذي تحول إلى مقبرة لجثثهم، وكأن بشاعة المشهد لم تشف غليل قادة الجيش الفرنسي الذين أمروا بقتل كل ما يتحرك أمامهم، بما في ذلك الكلاب والقطط، وهو ما قام به المجندون المعروفون بـ“السنيقال”، الذين تحولوا إلى وحوش آدمية في أحداث 20 أوت 55، حيث نكلوا بجثث المدنيين بعد رميهم بالرصاص بطريقة عشوائية، وقد ساهم المستوطنون في قتل الجزائريين العزل من شرفات منازلهم، كما أقدمت القوات الفرنسية على قتل وحرق ممتلكات السكان العزل في الأرياف، وهذا للأخذ بالثأر، وهو ما صرح به رئيس بلدية “فيليب فيل” آنذاك أثناء عملية دفن جثث الفرنسيين بالمقبرة الخاصة بهم، والمعروفة حاليا بـ “جبانة فرنسيس”.عساكر أوساريس يحولون نهج فرنسا إلى مقبرةتوجه جنود بول أوساريس مباشرة إلى الشارع الشعبي نهج فرنسا (محمد بوبايسةحاليا)، وراحوا يطلقون النار على الباعة والمارة ومن كانوا على الرصيف أمام المقاهي التي يتوافد عليها سكان الأرياف، لأن السبت يوم عطلة. وحسب شهادات كثير ممن عاشوا هذه الأحداث، فإن الجنود فاجؤوا الباعة والمارة بإطلاق الرصاص، وأول من رُمي بالرصاص هو بائع المثلجات، ولا تزال آثار الطلقات التي أصابته منقوشة إلى يومنا على حائط مدخل “منزل بلوكيل”، وقد حاول بعض المواطنين الفرار من أحد المحلات غير أنهم أطلقوا الرصاص عليهم، ووُضعت على جثثهم أحزمة الخراطيش من أجل تضليل الصحافة، بأن هؤلاء ممن قاموا بالهجوم ومعتدون خارجون عن القانون، غير أنهم سكان “أنديجان” بسطاء، وخير دليل على ذلك صورة صاحب طاولة بيع المثلجات الذي رمي بالرصاص بوحشية، حسب الشهادات التي جمعناها من الموطنين الذين حضروا هذه الأحداث التي لا تزال راسخة في أذهانهم. المجاهد لخشين رابح “عُذبت لإجباري على كشف مسؤولي الهجومات” سجن الشيخ رابح بسبب مشاركته في أحداث 20 أوت، وقال قضيت في سجن “الطبانة” بالقل 8 أشهر، ثم أطلق سراحي ووضعت تحت الإقامة الجبرية، وكان المستعمر يمنح 6 سجناء ربع كيلو من الخبز دون ماء. بقيت 7 أيام في الزنزانة، لم أتذوق طعم الأكل، ثم تعرضت للتعذيب، حيث وضعوني في دلو سعته 200 لتر مملوء بالماء، كما أنهم عذبوني باستعمال التيار الكهربائي وقاموا حتى بتعليقي بالحبال ليأخذوا مني معلومات عن المجاهدين في المنطقة، لأنني كنت مسؤولا عن جمع اشتراكات السكان للمجاهدين بمنطقة علي الشارف، يضيف عمي رابح، لكنني لم أدل ولو بكلمة عن من قام بالهجومات، ونظرا لمقاومتي غيَّروا من طرق التعذيب، فكانوا يقومون بتكبيلي ويفتحون الحنفية في فمي، لكن رغم ذلك حافظت على أسرار الثورة، وبعد أن يئسوا وضعوني في الزنزانة، لا أكل ولا شرب، ثم قضيت 8 أشهر، ليتم إطلاق سراحي بعدما طلبوا مني الانخراط في الجيش الفرنسي فرفضت، وبعدها تقرر إطلاق سراحي، وفرضت علي رقابة لصيقة، حيث أمروا أتباعهم من الحركى خاصة برصد تحركاتي، ودائما يطلبون مني القيام بشق الأنفاق لكي يختبئ فيها جيشهم، غير أني كنت أقوم بهدم الجسور، ومنها الزلايقة بتمالوس واقنة، لمنع تحركات الجيش الفرنسي، بوضع متفجرات والكهرباء وحرق محركات كان يستعملها الجيش الفرنسي.عاشور طغان، واحد من الذين عاشوا الأحداث “المستعمر لحق السكان العزل حتى داخل المساجد” بعد 3 أيام من البحث عن عاشور طغان تمكنا من الوصول إليه، لكونه واحدا من الذين عايشوا أحداث 20 أوت 1955، حيث كان يعمل نادلا بمقهى “بلوكيل” المتواجد في شارع فرنسا سابقا (محمد بوبايسة حاليا) والذي شهد مجزرة حقيقية بسقوط العشرات من الأبرياء.يقول السيد عاشور إن التقتيل الإجرامي الفرنسي تواصل أيام 20 و21 و22 أوت من قبل الجنود والمعمرين على السواء. يتذكر قائلا “في اليوم الأول جاء العساكر يبحثون عن كل من هو عربي، وتزامن ذلك مع وجود عدد كبير من الجزائريين داخل المقهى الذي أعمل به، أغلقنا الباب عليهم، وساعدتنا سيدة فرنسية كانت تطل من الشرفة، حيث ظللت العساكر قائلة إنه لا يوجد في هذا الوقت أحد في المقهى، بينما قام هو ومن معه بمساعدة من كان في المقهى على الهرب من نافذة كانت تؤدي إلى مسكن صاحب المقهى لا تزال إلى اليوم على حالها. وهنا أشار عمي عاشور إلى لجوء عشرات المواطنين إلى مسجد الزاوية المقابل للمقهى، ورغم هذا يقول في شهادته إن العساكر انتهكوا حرمة المسجد، حيث اقتحموه وقاموا بقتل عدد كبير من الذين كانوا بداخله، وقد أطلق عليه اليوم اسم مسجد 20 أوت 1955 كتذكار لضحايا ذلك اليوم من الأبرياء. وأشار عمي عاشور وهو يسرد على مسامعنا شهادته إلى أن هناك من عاش الأسوأ في تلك المجزرة، وذكر اسم المرحوم عبد الله قاس الذي كان ينقل الجثث عن طريق شاحنة البلدية إلى منطقة الزفزاف رفقة 3 أو 4 عمال آخرين، وعند وصولهم إلى الزفزاف يطلق عليهم الجنود الرصاص ويتم دفنهم هناك، حتى لا يبوحوا بما يحدث مع الجثث التي تم ردمها تحت التراب في حفرة كبيرة، وهذا بعد أن انتشرت الجثث بمختلف شوارع المدينة، وخاصة شارع فرنسا (بوبايسة حاليا) الذي يعد الشارع الشعبي الخاص بالعرب (الأنديجان)، وأصدر المستعمر قرارا بحظر التجول فيه ينتهي في الساعة السادسة صباحا، ما جعل المدينة شبه خاوية من سكانها العرب لمدة 8 أيام.المجاهد لخشين الطيب “أضرمنا النار في مصنع الفلين وحاولنا فتح سجن القل” لخشين الطيب (83 سنة)، بعد تردد كبير ورفضه الإدلاء بشهادته عن وقائع أحداث 20 أوت 1955، بسبب التهميش الذي تعرض له من طرف السلطات، فتح قلبه لـ “الخبر” وبدأ في تذكر تفاصيل ذلك اليوم المشؤوم.قال عمي الطيب إنه حل بقرية زروبة ببلدية بني زيد مكان تجمع المجاهدين قبل 20 أوت 1955 بثلاثة أيام، وحضَّروا السكان لذلك اليوم تم توجهوا إلى قرية اولاد اعمر، ويوم الجمعة اتفقنا جميعا على التوجه إلى القل، تم جاء 3 أشخاص من قرية اولاد عبد النور، وانطلقنا من زروبة إلى قرية علي الشارف، منا من يحمل السلاح ومن يحمل سكاكين وشاقور ومزبرة وغيرها، وبعضهم حمل الأكل وهو عبارة عن دقيق فيه زيت الزيتون، أو ما يطلق عليه في المنطقة سكيكدة بوسكسف، حيث سمح لنا الشهيد عمار شطايبي رئيس الوفد بأكل ملعقة واحدة لكل واحد وحبة تين، وقد دخلنا قرية علي الشارف مع صلاة المغرب، وكان عددنا حوالي 300 رجل، وتركنا الشيوخ مع النساء والأطفال وصلينا المغرب جماعة، ثم نزلنا ما بين بلديتي بني زيد وكركرة عبر قرية لعزيلات، وفجأة داهمتنا الخنازير وأصابت أحدنا فتقرر إعادته إلى منزله للعلاج، فيما أكملنا مسيرتنا.وفي طريقنا إلى القل، خرجت طلقة نارية من بندقية أحدنا عن طريق الخطأ، ليتفرق الجميع ويهرب في مختلف الاتجاهات، ظنا منا أن الجيش الفرنسي هو من أطلق الرصاص، ثم تفهم الجميع الأمر، وأكملنا سيرنا لنقضي الليلة بوادي المساسخة أعالي القل، بجهة بلدية الشرايع حاليا، وفي حدود الساعة 11 من صبيحة يوم السبت، خرجنا بجهة أشجار الزيتون آنذاك وكانت ملكا للمعمر “فيناشو” بمنطقة الطهرة حاليا، ثم توجهنا إلى مصنع الفلين حيث تتواجد ثكنة للدرك الفرنسي، أضرمنا النار في الفلين، فغطى الدخان سماء مدينة القل، تم توجهنا إلى السجن لإطلاق سراح المساجين، فجاء أحد عناصر الدرك الفرنسي نحونا، فوجه له أحدنا طلقة فأرداه قتيلا، تم قتلوا هم اثنين من السكان، ومجاهدين اثنين، ثم عدنا إلى شمال المدينة في قرية اغبال ببلدية الشرايع حاليا، والحرايش ثم حزايم. وفي اليوم الموالي رجعنا إلى القل لحمل المصابين، ومنهم هادف محمد وحداد احمد بن مسعود و2 من دوار العتبة بقرية الدمنية بتمالوس لم أتذكر أسماءهما، حيث تم وضعهم بمركز الإسعاف المتواجد داخل الغابة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: