القائد الشيوعي وليد القدس ودفين مقبرة القطّار المتهم باغتيال ملك إنجلترا

+ -

جزائري الأصول ومقدسي المولد في حارة المغاربة سنة 1903، هو محمود الأطرش المغاربي أو محمود بن الحاج رابح، القائد الشيوعي الفلسطيني، الذي ذاق ويلات سجون المشرق العربي تحت الانتداب البريطاني، وسجون فرنسا بتهمة محاولة اغتيال الملك الإنجليزي جورج السادس، وسجن كذلك خلال الثورة، ليعرف في أواخر حياته سجون نظام بومدين أيضا، قبل وفاته وتشييع جنازته في 1981 بالجزائر العاصمة في موكب جنائزي ضخم ضمّ سفراء كل الدول الاشتراكية والأحزاب التقدمية، في مشهد أثار هلع السلطة الحاكمة التي اكتشفت عظمة الشخصية. لقد ارتأنيا، من خلال حوار مع لشلاش بومدين باحث في التاريخ، استعراض المحطات المهمة في مسار المناضل محمود الأطرش المغاربي بناء على أبحاثه الشخصية، وما ورد في كتاب بعنوان “طريق الكفاح في فلسطين والمشرق العربي ــ مذكرات القائد الشيوعي محمود الأطرش المغربي (1903- 1939)” للمؤرخ الفلسطيني ماهر الشريف الصادر عن “مؤسسة الدراسات الفلسطينية”، والذي سيعرض خلال المعرض الدولي المقبل للكتاب بالجزائر 2015.هل بإمكانك تقديم لمحة عن الأصول الجزائرية للمناضل محمود الأطرش المغاربي؟    هو من عائلة جزائرية استقرت بالقدس في حارة المغاربة، بعد هجرة والده الحاج رابح بن علي من عين الديس دوار اولاد ابراهيم الغول بالقرب من بوسعادة، وأمه حليمة بنت أحمد خليفة، من قرية آث خليفة بالقرب من تيزي وزو. كانت مقيمة في دمشق بقرية “ديشوم” التي استقر فيها جزائريون من منطقة القبائل بعد ثورة 1871. بعد ميلاد محمود في 1903 توفي والده بعد ستة أشهر، وتزوجت والدته مرة ثانية. وبعد فترة انتقلت العائلة إلى مدينة يافا. حفظ محمود القرآن في سن العاشرة واشتغل في العديد من المهن اليدوية، كعامل وحمّال وفي مختلف المهن، قبل تنقل العائلة نحو “طبرية” إثر إجلاء سكان يافا في 1917 خلال الحرب العالمية الأولى. عانى من قساوة العيش والحرمان رفقة شقيقه طاهر المغربي. اكتشف بعد عودته إلى يافا صعوبة ظروف العمل وحاول الانضمام لمنظمات يهودية مدافعة عن حقوق العمال، لكنه تفطن لوجود تمييز بين العمال العرب واليهود، خاصة مع الانتداب البريطاني وانتشار الفكر الصهيوني بالتزامن مع اتفاقية “سايكس بيكو” ووعد “بلفور” بتأسيس دولة يهودية.متى كانت البدايات الأولى لمحمود الأطرش مع النضال النقابي والسياسي؟ في خضم التغيرات السياسية التي عرفتها المرحلة كالثورة الاشتراكية في 1917 وانتفاضة القدس في 1920 ومؤتمر الشعوب الإسلامية في باكو 1920، برزت النزعة النضالية لدى محمود المغربي أكثر، حسب مذكراته التي قدمها المؤرخ ماهر الشريف، وبعد تعرّفه إلى الشيوعيين اليهود انخرط في منظمة الشبيبة الشيوعية، وتم انتخابه في سنة 1926 سكرتيراً لفرعها في مدينة يافا. وأوفدته قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني في سنة 1927 إلى موسكو للدراسة في “جامعة كادحي شعوب الشرق” حيث أمضى ثلاث سنوات، عاد بعدها إلى فلسطين ليساهم، في إطار خطة “التعريب”، في قيادة الحزب، بعد أن انتخبه المؤتمر السابع للحزب الذي انعقد نهاية ديسمبر 1930 عضواً في سكرتارية لجنته المركزية.  عين عضواً في اللجنة التنفيذية لـ”الكومنترن” عام 1935 وهو في السجن ممثلاً للأحزاب الشيوعية العربية، والتحق بمنصبه في موسكو وبقي فيها ما بين 1936 و1938. شارك في تأسيس وتدعيم الكثير من الأحزاب الشيوعية العربية، على غرار الحزب الشيوعي الفلسطيني، والحزب الشيوعي السوري- اللبناني، والحزب الشيوعي العراقي، وساهم في إعادة بناء الحزب الشيوعي المصري، وعمل في الحزب الشيوعي الجزائري منذ 1939 حيث أوفده الكومنترن. اعتُقل في مطلع فيفري 1931 مع رفيقه نجاتي صدقي الآلاي أميني، عضو سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني، وحُكم عليه بالسجن لمدة سنتين، ثم وضع بعد إطلاق سراحه تحت المراقبة البوليسية. أوفد في أفريل 1933 إلى سوريا ولبنان، حيث شارك حتى سنة 1936 في قيادة الحزب الشيوعي السوري- اللبناني، وفي النشاط الرامي إلى التعريب الفعلي للحزب الشيوعي الفلسطيني. اعتُقل في دمشق، في ماي 1935، مع بيير شادروفيان (مسؤول منظمة الحزب الشيوعي السوري-اللبناني في هذه المدينة)، واقتيد إلى فلسطين، حيث أمضى ستة أشهر في السجن في القدس. وقد نظّم السجناء السياسيون إضراباً عن الطعام استمر 19 يوماً، احتجاجاً على المعاملة القاسية التي لقيها من جلاديه. لكنه اعتُقل من جديد في بيروت في ربيع العام 1936، وصدر قرار بمنعه من الإقامة في سوريا ولبنان، واقتيد إلى الحدود مع فلسطين، حيث أمضى فترة وجيزة في السجن. واعتقل كذلك في باريس بسجن “لاسانتي” سنة 1938 بتهمة أنه “إرهابي فلسطيني” حاول اغتيال ملك إنجلترا آنذاك جورج السادس خلال زيارة رسمية للعاصمة الفرنسية ومرسيليا، ودخل إلى الجزائر وزار عائلته ببوسعادة قبل سجنه في ”برباروس” في  1939. ثم زُج به في معتقلي بني مسوس والدويرة عام 1957 خلال ثورة التحرير، بسبب نضاله بحي  القصبة في دعم جبهة التحرير الوطني. ساهم محمود الأطرش في “جزأرة” الحزب الشيوعي الجزائري، وفي التأطير السياسي للمناضل بشير حاج علي، خاصة بعد زواجه من شقيقته دهبوشة. وبين عامي 1946 و1955 كان محرراً للصحيفة المركزية للحزب الشيوعي الجزائري “الجزائر الجديدة”. ومن نهاية 1963 حتى 19 جوان 1965 كان محرراً في صحيفة “الجزائر الجمهورية”. ثم اعتُقل في سبتمبر 1965 على يد النظام الجديد في قضية منظمة المقاومة الشعبية، وأُفرج عنه في أوت 1966 بعد إضراب عن الطعام استمر 21 يوماً. وما بين 1967 و  1968 كان محرراً لصحيفة “الثورة والعمل” لسان حال الاتحاد العام للنقابات. وغادر الجزائر إلى ألمانيا الديمقراطية في مارس 1968، حيث كتب في برلين مذكراته، ثم عاد إلى الجزائر في 1976 وتوفي في برلين في فبراير 1981.أين اختفت مذكرات محمود الأطرش التي كتبها في ألمانيا الشرقية؟ ولماذا لم يتم نشرها؟❊ عرفت من خلال أطروحة المؤرخ الفلسطيني ماهر الشريف ثم من الراحل عبد الحميد بن زين بوجود المذكرات المتكونة من أكثر من 700 صفحة بخط اليد، وأخبرني بأنه يحوز على جزء منها مخبأ في علبة أرشيف، فيما يحتفظ بوعلام خالفة بالجزأين المتبقـيين، ولا أدري سبب عدم نشرها. وبلغني كذلك بأن الباحث الفلسطيني ماهر الشريف التقى مع محمود الأطرش في 1976 بعد رجوعه من ألمانيا إثر وفاة زوجته دهبوشة لإجراء ثلاثة حوارات معه. ولقد اشتغل المؤرخ ماهر الشريف على أرشيف “الكومنترن” في 1989، واكتشف الدور الهام لمحمود الأطرش ومكانته. إضافة إلى أطروحته حول الحزب الشيوعي الفلسطيني والمسألة القومية التي أعدها من قبل. ولقد تجلت أهمية الشخصية وبعدها العالمي خلال جنازته في الجزائر العاصمة في فيفري 1981 بمقبرة القطار بباب الواد، حيث تفاجأت السلطات الحاكمة آنذاك بالعدد الهائل من السفراء وممثلي الدول الاشتراكية والأحزاب التقدمية والحركات التحررية التي حضرت تشييع جثمانه لمثواه الأخير في القبر نفسه مع زوجته. ويبقى نشر الجزء الخاص بالجزائر منذ 1939 إلى ما بعد الاستقلال الذي نأمل أن يتم في أقرب وقت. كذلك لمحمود الأطرش عدة دراسات وبعض الكتب لم تنشر بعد.    

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات