مخاوف من تحول العراك البرلماني إلى غضب شعبي

+ -

تعطي الفوضى العارمة التي شهدها المجلس الشعبي الوطني، أمس، في جلسة التصويت على مشروع قانون المالية لسنة 2016، صورة مصغرة عما يمكن أن تحدثه الإجراءات التقشفية الواردة في نصه، حال تطبيقها في الميدان، على المواطنين الذين يعاني أغلبهم تدهورا غير مسبوق في قدرتهم الشرائية.مر أعضاء الحكومة، أمس، بلحظات عصيبة في المؤسسة التشريعية، وهم يشاهدون تمردا وعصيانا لم يكن متوقعا من مؤسسة تشريعية اعتادت الخضوع والاستكانة لكل ما ينزل عليها من برج السلطة التنفيذية، وذلك عندما قرر نواب في المعارضة، يائسين من إمكانية توقيف مشروع قانون المالية عبر التصويت، عرقلة سير الجلسة من خلال تحويلها إلى ساحة احتجاج تطور إلى عراك بالأيادي، في مشهد برلماني نادر بالجزائر، أعاد الحياة ولو ظرفيا للمؤسسة التشريعية، وجعلها تتصدر، على غير العادة، المشهد، بعد أن ظلت، طيلة سنوات الرئيس بوتفليقة، تعاني من حالة “موات” بفعل الهيمنة الواسعة على صلاحياتها من باقي المؤسسات الدستورية.هبة نواب المعارضة الذين يتحدون، لأول مرة، على رفض مشروع قانون المالية، وتضامن نواب حتى من أحزاب الموالاة معهم، لا يمكن استيعابها من زاوية المزايدات السياسية التي قد تظهر في مثل هذه المناسبات، لأن هذا الخليط السياسي المتشكل ليس متجانسا على صعيد الأفكار والقناعات، كما لا تحكمه نفس النظرة إلى النظام، رغم ادعاء كل طرف معارضته له. لذلك يبدو الرفض لقانون المالية منطلقا من قناعة تجمع هذا الشتات على أن السلطة داست على كل الخطوط الحمراء، ولم يعد مسموحا لها بأن “تمرمد” النواب وتزيد في تلطيخ صورتهم السلبية أصلا لدى المواطن. وفي هذا يلتقي جل الجالسين تحت قبة البرلمان، الموالين الذين سيصوتون بنعم على مضض والمعارضين الذين أطلقوا العنان لرفض “ثوري”.لكن هذه الغضبة البرلمانية، التي يمكن للحكومة التحكم فيها مهما بلغت حدتها، بما تملكه من أغلبية نيابية، ستصبح كابوسا في حال انتقال عدواها إلى الشارع الذي لا يمكن السيطرة عليه، عندما تدخل الإجراءات المنصوص عليها حيز التنفيذ، فالموجة التضخمية المتوقعة لارتفاع أسعار الطاقة والرسوم الجديدة التي ستطبق والتخفيض المبالغ فيه لسعر الدينار مقابل العملات الأجنبية، ستكون عواقبها وخيمة على القدرة الشرائية المتآكلة أصلا لدى غالبية الجزائريين الساحقة.ولا يمكن في هذه الحالة إلا توقع حدوث اضطرابات اجتماعية في كل القطاعات العمومية، كالتعليم والصحة والجامعات، التي كسرت حاجز الخوف وصارت لا تتردد في رفع لواء الإضرابات كلما أحست بوطأة الضغوط المادية. كما سيتسبب هذا القانون في رفع نسبة البطالة، كما تقول المعارضة، لأنه لا يحتوي إلا على عدد بسيط من المناصب المالية، لا يكفي عدد الخريجين الهائل من الجامعات ومراكز التكوين المهني.هذا الواقع سيدخل الحكومة في أول مواجهة حقيقية مع توترات اجتماعية اعتادت إسكاتها بما كان يتوفر لها من سيولة ضخمة متأتية من الفوائض البترولية، عرفت سياسيا بشراء السلم الاجتماعي. وسيحتك المواطنون، إذاك، مع أول إرهاصات الأزمة التي ظلت مستترة بفعل المسكنات محدودة المفعول زمنيا.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: