تجاهل العارف أم تجاهل الماكر؟

38serv

+ -

 إنّ الغزو الثقافي نجح أتمّ نجاح في بلوغ غايته، ومنذ قدر على إسقاط دولة الخلافة، وإقامة 70 جنسية على أنقاضها، أخذ يصرف النّاس رويدًا رويدًا عن رباط العقيدة وندائها، ويشغلهم داخل حدودهم الوطنية بأزمات الرغيف أو برغبات “الجنس” وشهوات أخرى. وهناك سماسرة مكرة موظّفون في ميادين إعلامية وسياسية لحراسة هذا التمزيق واستدامته.. فهل يكتفي بذلك؟ لا، يجب تجهيل الأمم في الإسلام وإسدال ستارات كثيفة على تعاليمه حتّى لا تعرف، بل يجب تشويهها على أسوأ صورة!.. ولنثبت هنا نموذجين يشهدان لما نقول، ذكرهما الأستاذ الدكتور محمد معروف الدواليي في أحد بحوثه الجليلة (الدولة والسلطة في الإسلام).. أمّا النموذج الأوّل، فهو ما قد سجّله كبير أساتذة الحقوق الرومانية في جامعة باريس الأستاذ جيفار، وفي الجزء الأوّل من كتابه “الوجيز في الحقوق الرومانية”، وذلك حول حقّ الدّائن على المدين العاجز عن الوفاء، بموجب أحكام الألواح الاثنين عشر الرومانية، حيث جاء في الصفحة 106 منه والفقرة 172 “إنّ للدّائن على المدين العاجز عن الوفاء أن يسترق مدينه وأن يبيعه، أو أن يقتله، وإذا تعدّد الدائنون فلهم الحقّ بتقطيع جثّة المدين إربًا إربًا فيما بينهم.. وبعد أن عرض الأستاذ جيفار هذا الحكم الوحشي، أضاف قائلاً “وأنّ مثل هذه الأحكام موجودة أيضًا في الشّريعة الإسلامية”. فأنكرت نفسي ولاحقني زملائي الطلاب بنظراتهم المنكرة، وكنّا ثمانية فقط في دبلوم شهادة الدراسات العليا في الحقوق الرومانية، وكنتُ الطالب المسلم الوحيد فيما بينهم، وكان أستاذنا فيها الأستاذ جيفار نفسه، فاستنكرتُ عليه بلطف إسناد هذا الحكم إلى الشّريعة الإسلامية وطالبته بالمصدر لهذا الحكم المكذوب، فقال: إنّه القرآن. فأحضرتُ القرآن المترجم وتلوتُ عليه الآية القرآنية رقم 280 من السورة الثانية من القرآن الكريم حول أحكام المَدين حيث جاء فيها {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسُرَة، وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي أنّه إذا عجز المدين عن الوفاء وجب على الدّائن انتظاره لحين المقدرة على الوفاء، وإنّ الأفضل للدّائن في هذه الحال هو التّنازل عن دَيْنِه وتبرئة مدينه إن كان الدّائن يريد أن يكون من أهل العلم بالقيم الإسلامية.فدهش الأستاذ لسمو نظرة الإسلام وقيمه الإنسانية العظيمة، كما استعظم خطيئته في اتّهام الإسلام بما يكذّبه صريح القرآن، خاصة أنّ الخطيئة جاءت في كتاب جامعي يدرّس في جامعة باريس وفي معظم جامعات العالم، وذلك ممّا لا تغتفر فيه الخطيئة، ولذلك ألحّ عليّ عندئذ أن أكتب له خطيًّا بتصحيح ما وقع فيه من اتّهام كاذب لشريعة الإسلام.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات