محمد عبد العزيز عرّى المخطط الاستعماري الفرنسي قبل رحيله

+ -

 كان الرئيس الراحل محمد عبد العزيز، يعرف أن أجله اقترب، في ديسمبر 2016، خلال انعقاد المؤتمر الـ14 لجبهة البوليزاريو في مخيم الداخلة بضاحية تندوف في الجنوب الجزائري، ولم يكن يرغب في الترشح لعهدة جديدة على رأس الجبهة التي ساهم في تأسيسها والدولة الصحراوية التي ترأسها منذ تأسيسها.ولم يكن رفاقه في السلاح والنضال السياسي ولا أفراد عائلته يخفون أنه كان مريضا، وكان هو يبذل كل الجهد ليبدو في كامل صحته، خلال ذلك المؤتمر الذي انعقد في ظروف إنسانية مؤلمة بعد الفيضانات التي حطمت مخيم الداخلة للاجئين الصحراويين. وتابع أشغاله من بدايتها إلى نهايتها بقوة “أكبر من قوة الشبان” كما لاحظ كل الناس حينها. وكان الجميع يتوقع أن يختار الرئيس الراحل أو يساهم مع رفاقه الأوائل في السلاح في اختيار خليفته. لكن الجميع ألح عليه بأن يترشح مجددا “لتكون آخر مساهماته في كفاح الشعب الصحراوي من أجل استقلاله ضمان انتقال هادئ للقيادة الوطنية، دون زوابع نظرا للتحديات التي مازالت القضية تواجهها”.ففعل المرحوم محمد عبد العزيز ما طلب منه، وترشح وفاز بالأمانة العامة للجبهة، وانتخب رئيسا للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. وانصب انشغاله منذ ديسمبر 2015، رغم ظروفه الصحية الصعبة، على تمتين التوازنات بين مختلف أقطاب تشكيلة المقاومة الصحراوية، في ظل اشتعال الوضع في الأراضي المحتلة منذ اندلاع “ملحمة أكديم أيزيك” وتزايد وحشية قمع الجيش المغربي للصحراويين. وكذلك تعالي الأصوات المطالبة بالعودة إلى السلاح كحل أخير لاسترجاع أراضي ساقية سيدي يوسف ووادي الذهب المحتلة. ويقابلها تصعيد العداء الفرنسي لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، ومساعي هذه الدولة، خاصة يسارها، ووقوفها في وجه كل المساعي الدولية لإجراء استفتاء تقرير المصير.ويعرف الصحراويون وقيادتهم أن “دخول الحرب سهل” وأنهم “يملكون كل الإمكانيات المواجهة الطويلة في وجه الجيش المغربي، الذي يعيش أحلك أيامه في الأراضي الصحراوية المحتلة، من نقص في التموين واهتراء الأسلحة، وهبوط معنويات الجنود والضباط”. لكنهم يعرفون أن “عودة المواجهة المسلحة مع الجيش المغربي، هو الشيء الذي تنتظره فرنسا على وجه الخصوص، لتنقض بشكل نهائي على الساحل الصحراوي، وتجعل منه ساحة حرب واسعة مثل تلك التي صنعها الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط”. ومازال الصحراويون، بمن فيهم قيادتهم يقولون “لا نستطيع أن نسبب لشقيقتنا الكبرى الجزائر مزيدا من المتاعب”. كما أن الصحراويين واعون أنهم يتموقعون، رغما عنهم، في المواقع الأولى لمواجهة المد الإرهابي في الساحل الإفريقي، أنهم يساهمون مع الجزائر في منع امتداده وبسط سيطرته كما تريد “المملكة المغربية وفرنسا وفق ما تلميه استراتيجياتهما المشتركة للسيطرة على شمال إفريقيا وغربها”.في هذه الظروف انتخب الرئيس الراحل محمد عبد العزيز، في عهدته الأخيرة، واشتغل طيلة الأشهر التي تلت المؤتمر الـ14 لجبهة البوليزاريو، رغم مرضه، لتشكيل “قيادة جماعية موحدة يجتمع فيها أوائل المجاهدين مع الأجيال الجديدة، تحت سلطة هياكل الدولة الصحراوية. لمواجهة التحديات المستعجلة وهي إيجاد خليفة قادر على مواصلة حمل إرث الشهيد مصطفى الوالي السيد، الذي اختار خليفته محمد عبد العزيز، قبل أن يتنقل إلى موريتانيا لتنفيذ العملية التي لم يعد منها”.وكان المؤتمر الـ14 لجبهة البوليزاريو المنعقد في ديسمبر 2015، أحد أهم محطات كفاح الشعب الصحراوي، حيث وضع فيه الرئيس الراحل، “خطة المستقبل”، وهو الذي استفاد مع رفاقه في السلاح والنضال من تجربة كفاح الشعب الفلسطيني، لتحاشي الوقوع في المآزق التي وقعت فيها القضية الفلسطينية بعد لقاء أوسلو والمعاهدة التي تمخضت عنه.فقد الصحراويون مجاهدا مستميتا، وفقدت إفريقيا معهم رجلا كبيرا منح حياته كلها من أجل تحرير آخر مستعمرة في القارة السمراء.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات