+ -

غايتها الوحيدة وحلمها الأكبر تثبيت هوية طابع “القناوي” والحفاظ عليه من الاندثار، هو مشروع وضعته فنانة الجيل الصاعد بنت الساورة سعاد عسلة نصب عينيها من أجل تجسيده على أرض الواقع، من خلال حرصها الشديد على توسيع الحلقة، ونشأة مجموعة اللمة النسوية المتكونة من 12 امرأة، كلهن ينحدرن من غرب الصحراء الجزائرية في بشار، تتقدمهن تلك التي تتبعت خطاها حسنى البشارية، هذه الأخيرة التي سينزل لها إلى الأسواق شهر أكتوبر ألبوم جديد مع سعاد عسلة. وتأمل صاحبة الحنجرة الذهبية الدافئة وفنانة السلام في إحراز تقدم لإخراج مواهب الصحراء الجزائرية المختصة في أداء ألوان موسيقى التراث العريقة بمختلف طبوعه الأصيلة (القناوي، الفردة، الزلفاني) والتعريف به داخل الجزائر وخارجها وعبر المحافل الدولية، للاعتزاز بالثراء الذي تزخر به موسيقى القناوي من مزيج بين الطابع البدوي والمعاصر. هذا ما كشفت عنه سعاد عسلة في هذا اللقاء الصحفي الذي خصت به “الخبر” للحديث عن يومياتها الرمضانية بين المر والحلو في باريس، ومقارنتها بالأيام التي تقضيها وسط أحضان العائلة بأرض الوطن.كيف حال الفنانة سعاد مع رمضان الغربة؟ وكيف تقارنه بذاك في أرض الوطن؟ الحمد لله، لكن الحقيقة أن رمضان في الغربة حزين نوعا ما، بعيد عن الأهل والأحباب، خال من أي نكهة، أنا مشتاقة للمة العائلة، يعني إن صح القول لدي مشاعر ملتبسة بين هنا وهناك، فأنا بخير ولست بخير في آن واحد، وإذا قمت بالمقارنة فأول ما يفتقده كل أعضاء الجالية المسلمة في الغربة، وخاصة في فرنسا، صوت الآذان ومنابر المساجد تدوي بتلاوة القرآن وصلاة التراويح، حتى تقشعر نفسي، أبكي أحيانا وأقول هذا ما ينقصنا نحن في ديار الغربة. كيف تقضي يومياتك الرمضانية؟ أتأقلم مع المجتمع الفرنسي، أنهض باكرا وأرافق طفلتَيَّ إلى المدرسة ثم أتوجه إلى العمل، ليس لدينا هنا أي وقت للراحة، حركة دءوبة دون انقطاع عكس ما هو الحال عليه في الجزائر أو في البلدان العربية، حيث يتوقفون عن العمل على الأقل ساعات قبيل الإفطار. سبق أن تركت أولادي لوحدهم ولم أتمكن من الجلوس معهم على مائدة الإفطار في الموعد، حقا نجد أنفسنا وسط وضعيات جد صعبة وحساسة نوعا ما.وماذا عن التنسيق بين العمل والبيت في شهر رمضان؟كل شيء يحتاج إلى تنظيم، أقوم بالتسوق مسبقا باستثناء شراء الخضر، فأنا أحب اقتناء الخضر والفواكه الطازجة، ثم أحضر الحريرة ليومين، وبعدها أعد أطباقا خفيفة موسمية، أحب الطبخ كثيرا خاصة أنني أحضر كل أطباق جدتي وأمي رحمهما الله، لكن أتذكر يوما كان لدي عمل كثير ولم يتسن لي التحضير مسبقا، وعدت إلى المنزل في ساعة متأخرة فلم أجد ما يشتهيه ويجده الصائم على مائدة الشهر الفضيل، وإنما سلطة خضراء فقط وقطعة لحم شويتها، فأشفقت على نفسي و”غاضتني عمري”، وقلت أنا وحدي وهذا ليس برمضان في الغربة المرة، ثم عدت أدراجي، وقلت الحمد لله إن رمضان علاج للنفوس، وأحاسيسنا تكون مرهفة حتى في الخارج، فإذا رأينا مثلا محتاجا ننظر إليه مرتين على غير العادة، نحس بجوع المسكين ونشفق على الفقير، وهذا ما نراه في العالم العربي وما نلمسه لدى أفراد الأمة المسلمة ككل.ما هي الأطباق المفضلة لدى سعاد عسلة في رمضان؟ آه، أحب الحريرة وهي ما نطبخه في بشار وأحرص عليه في باريس، وكذا اللبن والبوراك والشامية والزلابية، وصراحة أحب كل شيء، وقد سبق لي أن قطعت المسافات بحثا عن قلب اللوز أو بالأحرى الشامية ولم أجدها، كنت أنزعج وأتضايق، لكن بتقدم السنوات لم يعد يقلقني شيء، فهناك أمور أخرى ذات أهمية بحثت عنها ولم أجدها، فما بالك بالشامية..ماذا عن الأجندة الفنية للجالية في رمضان؟ سأحيي سهرات رمضانية متنوعة عبر مختلف أرجاء الجزائر بداية من الأسبوع المقبل، تبدأ بسهرة في فيلا عبد اللطيف بالعاصمة، قاعة الموقار والجزيرة بالمسمكة، كما سأتنقل إلى مدينة الأغواط، في انتظار تأكيد مواعيد أخرى مع قصر الثقافة وبمدينة مستغانم، وأنا جد مسرورة بأجندتي هذا العام، عكس السنة الماضية حيث لم يحالفني الحظ بصيام الشهر الفضيل وسط الأهل والأحبة في الجزائر، وخاصة بمسقط رأسي بشار، وأطول مدة كانت في حدود أسبوع من أجل إحياء سهرات رمضانية ثم العودة بسرعة إلى باريس للالتزام بالبرنامج المسطر.ولقد نشطت العديد من السهرات الرمضانية العام الماضي بباريس في أماكن تنظم الإفطار المقاطعة الثانية عشر فقط، وبالنظر إلى التوقيت المتأخر لساعة الإفطار في باريس (22:00) فإنه يصعب علينا إحياء تلك السهرات بعد الإفطار، فنبدأ قبله ثم نواصل بعده، كما كان عليه الحال بالنسبة لإحياء ليلة القدر على مستوى معهد الثقافات الإسلامية “بغوت دور” بالمقاطعة 18 في قلب باريس، حيث تمت برمجتي في حدود الثامنة، فضلا طبعا عن بعض السهرات الفنية التي قمت بتنشيطها في الجزائر شهر جويلية بالكازيف بالعاصمة وزينيت في قسنطينة، ثم عدت إلى باريس بعدها مباشرة من أجل إحياء ليلة القدر مع أعضاء الجالية المسلمة.ما هي المواقف الطريفة التي عاشتها سعاد عسلة في رمضان؟هذه السنة لم تواجهني أي مواقف، لكنني أتذكر مرة رمضان في مهرجان بألمانيا عندما كنت رفقة الفرقة على الخشبة وأنا أؤدي أغنية “سلام سلامو”، فقال لنا أحد الجزائريين توقفوا أذن أذن، وطبعا لم أتمكن من التوقف كون القاعة مكتظة بالألمان والسياح، وواصلت أدائي، إلا أنني عندما أدرت رأسي رأيت محمد على الدربوكة واضعا إلى جنبه الحليب والتمر وهو يلعب بالدربوكة ويأكل في الوقت نفسه، وهو المشهد الذي لم أكن أنتظره، وعندها توقفت لأنني لم أقدر أن أتمالك نفسي من شدة الضحك، ثم شرحت للجمهور أننا صائمون وسوف نتوقف قليلا لكسر الصيام ثم نواصل، فتقبل الحضور ذلك بصدر رحب وحيوا فينا شجاعة الأداء ونحن صيام.ما هو جديد سعاد عسلة؟ لقد أصبح ألبومي الجديد مع حسنى البشارية جاهزا وسوف ينزل إلى السوق شهر أكتوبر، لأننا بصدد اختيار العنوان المناسب، وأنا تركت ذلك لحسنى، وهي محتارة بين مجموعة من العناوين “الحفرة”، “الخاوة” أو “الوالي” وفقا لما تحمله أغاني الألبوم من رسائل. أما فيما يخص مشروعي الذي كنت قد شرعت في تجسيده على أرض الواقع السنة الماضية، والمتعلق بجمع 12 امرأة من بشار في شكل مجموعة سميتها “اللمة”، حاولت من خلالها برفقتهن جمع كل المقطوعات الغنائية في اللون القناوي وأيضا في طبوع متنوعة كالزفاني والفردة، بغية الحفاظ على القناوي الأصيل من الاندثار. وهو ثمرة مجهودات نسوية جماعية حرصت على تقديمها في الجزائر وفرنسا إلى أن أحقق حلمي بإصدار ألبوم للمة وحفر أسماء هذه النسوة في سجلات فن التراث العريق، وذلك بتقديم كل المساعدة من أجل إسماع أصواتهن في المحافل الدولية، خاصة عندما نرى مصير فنانينا في الجزائر، لا أحد يسأل عنهم، على سبيل المثال الفنانة حسنى، فنحن (أنا برفقة مجموعتي الموسيقية: موح وإسماعيل) نقوم بكل ما في استطاعتنا من أجل مساعدتها لإخراج ألبومها الجديد.بدأت طبعا من الجزائر وبالتحديد من تاغيت شهر سبتمبر 2015، حيث قدمت “اللمة” عرضا فنيا في منتهى الروعة، كما قدمت عرضا فنيا آخر بمناسبة عيد الفنان الأخير المصادف لتاريخ 8 جوان المنصرم الذي تم تنظيمه بمسقط رأسي ببشار، وشاءت الصدف أن أكرم غيابيا وأنال وتنال مجموعة “اللمة” جائزة الفنان. لكنني لا زلت أحلم وأطمح في إيصال “اللمة” إلى الساحة الدولية، وقد سبق أن أحيت سهرة فنية بالمركز الثقافي الجزائري في باريس خلال شهر مارس بمناسبة عيد المرأة، وهو ما أسعى جاهدة من أجله بتنظيم جولة موسيقية عبر مختلف كبريات المدن الفرنسية بداية من شهر سبتمبر القادم، للتعريف بهذه الطبوع الجزائرية العريقة التي ترسم الهوية الثقافية الأصيلة والحفاظ عليها من الاندثار.    

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات