+ -

من المقولات الشّائعة قولهم: العقول الكبيرة تناقش الأفكار، والعقول الصّغيرة تناقش الأشخاص!. وهذه مقولة صحيحة بلا ريب. بل إنّ من مظاهر التخلّف الّتي ابتلينا بها في الانحطاط الحضاري الأخير، أنْ أصبح أغلب النّاس -وفي مقدمتهم المثقفين والنّخب- ينظرون إلى القائل لا إلى قوله وفكرته الّتي يطرحها، واحضر أيَّ نقاش بين اثنين أو أكثر وانظر كيف يتحوّل النّقاش دائمًا للشّخص أو الأشخاص بدل الفكرة أو الأفكار!.وهذا انحراف جرّ كثيرًا من النّاس إلى ردّ الحقّ أو المجادلة بالباطل بغضًا أو انتصارًا للأشخاص الّذين يمثّلون الحقّ أو الباطل!.وقد ألمح القرآن العظيم إلى هذا الانحراف في التّفكير في عدّة مناسبات، لعلّ أبرزها قصّة سيّدنا موسى عليه السّلام مع فرعون، من ذلك قوله تعالى: “فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ”. فموسى عليه السّلام يتكلّم على فكرة واضحة هي استعباد فرعون لبني إسرائيل، وفرعون يناقش في شخص موسى عليه السّلام وتاريخه!.وقوله تعالى: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ”، فموسى عليه السّلام يتكلّم بآيات بيّنات وسلطان الحجّة، وفرعون وعصابته يتكلّمون عن شخص موسى عليه السّلام ويتّهمونه بما هم أعلم النّاس بأنّه براء منه!.وهكذا باقي المشاهد الّتي قصّها علينا القرآن الكريم سنجد فرعون دائمًا يتحوّل إلى نقاش شخص النّبيّ الكريم لصغر عقل فرعون! وما أكثر صغار العقول في زمننا وفي كلّ زمان!.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات