رحيل الأب الروحي للصحافة المعربة في الجزائر..!

+ -

انتقل إلى رحمة الله مؤسس الصحافة العربية في الجزائر المستقلة الأستاذ محمد الميلي.. ابن العلامة مبارك الميلي، أحد فطاحل جمعية العلماء المسلمين، ومؤلف كتاب “الجزائر في مرآة التاريخ”، وهو الكتاب الذي حققه ونشره ابنه محمد في عهد الجزائر المستقلة، وكان المرجع الوحيد في تاريخ الجزائر الحديث لعقود من الزمن. محمد الميلي الأستاذ في معهد بن باديس في قسنطينة في الخمسينيات، يترك التدريس ويلتحق بتونس، حيث يقوم مع كوكبة من رجال الثورة بإصدار مجلة “المجاهد”، اللسان المركزي للثورة الجزائرية، وكان من المحررين الأساسيين للنسخة العربية إلى جانب عبد الله شريّط وتوفيق المدني وعبان رمضان ورضا مالك وامحمد يزيد وعبد الحميد مهري وزهير احدادن وفرانس فانون وغيرهم..الأستاذ الميلي هو مؤسس جريدة الشعب في 11 ديسمبر 1962 باللغة العربية. وهي القلعة التي أخرجت أجيالا عديدة من الصحافيين ورجال الثقافة في هذه البلاد.. الميلي هو أيضا أول مدير لمدرسة الصحافة التي كوّنت العديد من رجال الإعلام الذين قادوا الملحمة الإعلامية الوطنية بحلوها ومرها! وفهو بحق الأب الروحي للصحافة في الجزائر.قبل 19 جوان 1965 غادر الصحافة ليعود إلى التعليم في ثانوية عبان رمضان، وهذا بسبب خلاف مع المرحوم بن بلة حول طريقة تسيير جريدة “الشعب” وخطها الافتتاحي.. ولكنه لم يلبث كثيرا ووقعت أحداث 19 جوان فعاد إلى الصحافة، وكتب وقتها مقاله المشهور في الرد على الصحافة المصرية التي استهجنت ما حدث في 19 جوان “هل تسألوننا عن عزل موظف من موظفي دولتنا الفتية؟!”.تولى الميلي إدارة “المجاهد الأسبوعي” لسان حال الحزب، وتولى أيضا إدارة مدرسة الصحافة، كما تولى مهمة مدير الأخبار في وزارة الإعلام في عهد طالب الإبراهيمي، ثم مدير وكالة الأنباء الجزائرية، إلى جانب استشارته في قضايا الإعلام من طرف الرئيس بومدين.في بداية الثمانينيات، التحق بالعمل الديبلوماسي كسفير في اليونان وفي مصر ثم اليونيسكو وترأّس “الأليسكو” العربية، ثم تولى وزارة التربية، إلى جانب مهام أخرى في حزب الأفالان باللجنة المركزية. كان رحمه الله طاقة عمل كبرى في حقل الإعلام والثقافة.. كان لي شرف التلمذة على يده في فنون التحرير الصحفي في المجاهد الأسبوعي. وأول درس تعلمته منه في العمل هو “ليس كل ما يعرف يكتب أو يقال”. وكان ذلك أثناء تغطيتي أشغال اللجنة الوطنية لإصلاح التعليم التي نصّبها بومدين سنة 1970، برئاسة طالب الإبراهيمي، وكان الميلي مقررا لها.عندما علمت بمرضه في باريس من طرف زوجته زينب، والضائقة التي كان فيها، اتصلت برئيس المجلس الشعبي الوطني العربي ولد خليفة، لأطلب منه التدخل لمساعدته في محنته وعلاجه، لأنني كنت أعرف أنه عمل معه في جريدة “الشعب” عند التأسيس.. وفوجئت بولد خليفة يقول لي “وهل مثله يحتاج إلى مساعدة!”. وعندما علمت بوفاته، اتصلت بزوجته زينب، وقد قرصتني من أذني بكلماتها اللاذعة كالعادة “لقد أجبتموني في الموت... فلم تسألوا عنا إلا عندما سمعتم بموته”. وأحسست بالتقصير في حق هذا العملاق الذي أفضاله على الجميع بمن فيهم من تنكّر له! أعرف أنني لست في المستوى لأرثي هذا الراحل العملاق في الصحافة.. فأنا أكتب عن رحيله وفي ذهني كيف كتب هو عن رحيل جمال عبد الناصر تحت عنوان “فاجعة وامتحان”، وعن الراحل بومدين.. رحمه الله وألهمنا وذويه الصبر والسلوان.

 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات