+ -

حقا، المواطن الجزائري لا تطحنه رحى الأزمة بدفتيها: الفساد والرداءة، بل تطحنه أيضا رحى أخرى أشد قسوة بدفتيها، وهما الإدارة والعدالة، والطحن يتم بذراع السلطة! ففي هذا العمود أنقل لكم من حين لآخر صورا عن الفساد الإداري والرداءة الموجودة في العدالة عند معالجة قضايا الناس، أمام الانسداد شبه الكلي لجهاز التظلم الوطني من هذه الممارسة.كتبت إليّ مواطنة تدعى (جبار.ج) قالت إنها حصلت على قطعة أرض هي وأبناؤها الستة سنة 1979، بقرار من والي الولاية آنذاك، مساحة القطعة 1600 متر مربع في سيدي مبروك في مدينة قسنطينة، وتبع القرار بعقد رسمي، وكانت هذه القطعة تستخدم لإنتاج الطوب الإسمنتي للبناء. وفي 1982 تعاقدت مع مقاول يدعى (ب. ر) على بناء مسكن لفائدتها وأبنائها على هذه القطعة، ودفعت له المبلغ المتعاقد عليه مسبقا، على أن يتم إنهاء البناء بعد سنة، لكن المعني استحلى الإقامة بمقاولته في المكان ولم يلتزم بمحتوى عقد المقاولة الموقع مع المعنية، فرفعت ضده دعوى قضائية، وعينت المحكمة خبيرا لتقييم تقدم أشغال البناء، فتبين أن الأشغال لم تصل إلى أكثر من 56%، وادعى المقاول أنه لم يتم البناء لصالح المعنية لأنه بناء فوضوي، وأنه هو من قام بتسوية وضعيته القانونية. وبناء عليه، استطاع تحويل هذا الملك من المعنية وأبنائها إلى صالحه، طبعا بتواطؤ من الإدارة المحلية للمدينة. فأصبح المعني يفرض الأمر الواقع بوجوده فوق العقار، فيما تملكه فقط المعنية وأبناؤها على الأوراق الرسمية (القرار والعقود)، وضاعت المسكينة في دهاليز العدالة بين القضايا الوهمية والخبرة والخبرة المضادة بغرض التضليل والتعطيل، فالإدارة والعدالة التي كانت تسير كـ”الطاكسي فون”، “تحط تمشي”، أصبحت في عهد النقال “تفليكسي تمشي”! ففي سنة 2012 طلبت المعنية فتح تحقيق إداري قضائي لفضح ادعاءات المعني بالقضية السالب لملكيتها بغير وجه حق لسنوات، وكان لها ذلك، ولكن التحقيق استمر 16 شهرا كاملة، وبفضل هذا التحقيق وضعت القضية في مسارها الطبيعي القانوني أمام العدالة، وهي حاليا في أروقة العدالة.. ولكن المعني ما يزال يحاول التأثير على العدالة من خلال الادعاء بأنه من أعيان المدينة، وهي صفة تضعه فوق القانون! طبعا قد يكون من “رعيان” المدينة وليس من أعيانها! لهذا استخدم نفوذه وطلب من إدارة الأرشيف في مصلحة أملاك الدولة لولاية قسنطينة، أن تبحث له في صحة الوثائق التي تحوزها السيدة المالكة للقطعة، وطبعا لأنه من أعيان المدينة، قامت المصلحة بإعطائه شهادة قالت فيها إن تحرياتها لم تصل إلى نتيجة إيجابية، وتم ذلك بتاريخ 02/05/2016، ليرفع المعني قضية أخرى ضد المعنية متهما إياها وزوجها المجاهد بالتزوير.. والهدف هو ليس كشف التزوير، بل الهدف هو التماطل وتعطيل وتضليل العدالة إلى حين! والدليل أن المعني لا حق له في أن يطلب من مصلحة حكومية رسمية إعطاءه معلومات عن وثائق مواطن آخر... وعلى فرض أن الوثائق مزورة، فالواجب كان أن تتحرك المصلحة ضد المزورة أمام العدالة كطرف متضرر وليس تسليم الوثائق إلى غريب كي يرفع دعوى قضائية هو مكانها، والمصيبة أن وكيل الجمهورية أو النائب العام عوض أن يتحرك ضد المعنية باعتبار الدولة متضررة من هذا التزوير الكاذب، سمح بإحالة القضية إلى العدالة دون أن يتفحصها كما يجب! لأن الغرض من القضية ليس مكافحة التزوير بل حماية التزوير. والمؤسف أكثر أن المعنية قدمت شكاوى إلى وزارة الداخلية وإلى وزارة العدل للتحقيق في هذه الممارسات، إلا أن لا شيء تم حتى الآن، بل رفع المعني قضية ضدها وضد زوجها المجاهد بتهمة التزوير واستعمال المزور، والهدف هو الحكم عليه غيابيا، لأنه لا يستطيع المثول أمام المحكمة لأسباب صحية، ورفضت العدالة الإنابة القضائية بشأنه. ويبقى السؤال المحير: هل حقيقة يقوم ضابط سام ومجاهد بتزوير وثائق للحصول على قطعة أرض لزوجته وأبنائه في السبعينات، وهو الذي كان في هذه الفترة مديرا جهويا للأمن العسكري بقسنطينة، وبإمكانه أخذ ما يريد بلا تزوير؟ ألم تسأل العدالة (النيابة) والسلطات المحلية نفسها هذا السؤال، أم أن منطق الحجة يتضاءل في العدالة أمام حجة المنطقة!؟ ثم لماذا لم تظهر قضية تزوير الوثائق هذه أمام القضاء خلال كل مراحل التقاضي السابقة. العدالة والإدارة الفعالة لا تتم بالبنايات الفخمة والأرائك المريحة في المكاتب والتجهيزات الحديثة، بل تتم بالتكفل بقضايا المواطنين ومتابعتها وقمع الظلم والانسداد الحاصل في جهاز التظلم الوطني على مستوى الإدارة والعدالة، وهذه القضية نموذج للظلم والمظالم.

 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات