+ -

في نهاية الثمانينات كانت الجزائر المسكينة مخيّرة بين طاعون الأفالان أو كوليرا الفيس.. وانتهت إلى ما انتهت إليه من عشرية الدم والدموع... ودفعت البلاد ما دفعت، ومع ذلك كان الأمر باللطف، بحيث لم تستعن لا الكوليرا ولا الطاعون في “الهوشة” الحاصلة، بالأجانب، كما حصل في ليبيا وسوريا واليمن والعراق، ولهذا كانت “الهوشة” محلية ذات طابع وطني.. كانت عنيفة ومؤسفة لكنها كانت وطنية. ولذلك لم تمس “الهوشة” السياسية المسلحة في التسعينات (رغم دمويتها) بالوحدة الوطنية... ولا بالنسيج الاجتماعي للشعب الجزائري... ربما لأن جيل الكوليرا وجيل الطاعون، كانت إلى وقت قريب منابعه الفكرية والسياسية واحدة، هي منابع أول نوفمبر 1954، وأدبيات الحركة الوطنية تمقت الأجنبي وتحترس منه، لكن الواقع اليوم بين جيل مهني وجيل ولد عباس ليست له هذه الخلفية الفكرية السياسية...في الثمانينات، كنا نرى غضب الشباب في الملاعب يتم بمستوى وطني لا غبار عليه.. فكنا مثلا نسمع الشباب في ملاعب باب الوادي يصيح ضد النظام بعبارات باب الواد الشهداء... ويقول الشباب: “لا نريد الفلفل الأكحل... نريد رئيس فحل”! وكان الفلفل الأكحل مفقودا في الأسواق والشعب يقيم لاقتنائه “لاشان”!اليوم ما سمعناه في 5 جويلية هو شبه تنكر لـ5 جويلية نفسه!وهو أمر يتجاوز في خطورته الكلام البذيء الذي صدم السامعين والمشاهدين!يخطئ من يعتقد أن ما حصل هو شيء عادي موجه إلى السلطة وحدها.. بل الأمر أخطر من ذلك بكثير.. وعلى السلطة أن تراجع حساباتها من مسائل قد تكون حساسة تتعلق أساسا بمعالجة مسألة الوصول إلى السلطة والبقاء فيها... وأن الطرائق التي تمارس بها السلطة للسلطة أصبحت الآن تمثل خطرا حقيقيا على وحدة البلاد وتماسك نسيجها الاجتماعي، والقضية هذه المرة لا تحتمل التأجيل أو التسويف.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات