+ -

تقع دائرة المعارف العثمانية في منطقة ”سكندر آباد” بمدينة ”حيدر آباد” عاصمة ولاية أندهر برداتش سابقا، ”تيلنغانة” حاليا، وكانت تسمى بدائرة المعارف النظامية، وسماها الشيخ محمد عمران الأعظمي بدار الخزائن الكلاسيكية.لقد كانت فكرة هذا المشروع حين اتفقت كلمة ثلاثة رجال من أركان المملكة الآصفية: الشيخ محمد أنوار الله – المخاطب بالنواب فضيلة جنغ شيخ الإسلام للبلاد الآصفية، والشيخ ملا عبد القيوم؛ أحد أساطين الدولة، والسيد حسين البلجرامي ناظر معارف الدولة الآصفية، وكاتب السر لحضرة السلطان النظام السادس، وكان كبير الوزراء بالمملكة، ويلقب بعماد الملك؛ على أمر تشكيل جمعية علمية أكاديمية أو ما في حكمها خدمة للعلم في أنحاء المملكة وإحياء للمعارف الإسلامية، فكانت دائرة المعارف العثمانية، واشتغل الجميع على تجسيد هذه الفكرة وتحقيق كيانها.وفي 14 جمادى الآخر سنة 1308هـ الموافق سنة 1888م، صدر المرسوم الملكي بتأسيس دائرة المعارف العثمانية، وفرض لها 500 ربية كمساعدة شهرية، وكانت حينها تحت اسم دائرة المعارف النظامية، وأول من تشرف بتولي رئاستها الأمير السير وقار الأمراء، وزير معارف الدولة الآصفية.ولقد كانت الأهداف من تأسيس هذه الدائرة هي: جمع التراث الإسلامي وصيانته من التلف والضياع، القيام بتحقيق ونشر القطع الفريدة من الأعمال العربية غير المطبوعة والتي تتراوح فترتها الزمانية ما بين القرن الأول والقرن الثامن الهجري باعتبارها قرون الازدهار العلمي والعطاء الفكري والإبداعي للمسلمين، وهدف النظام السابع الذي كان حاكما في حيدر آباد من تأسيسها مساعدة الباحثين ورجال العلم في أداء مهامهم العلمية، وتطوير البحث العلمي  بالجامعة العثمانية التي شيدت بجوارها. وقد بذلت المجموعة غاية المجهود في تطوير هذا المولود الجديد، تنميته وتحقيق أهدافه.وفي عهد الملك مير عثمان علي خان نظام الملك آصفجاه السابع، نشطت الحياة العلمية والثقافية كثيرا وازدهر نتاجها وعطاؤها، وقد استفادت الدائرة من هذه الأوضاع أمرين مهمّين: الأول: صدور مرسوم ملكي بتخصيص نصف مليون ربية معونة مالية دفعة واحدة لصالح دائرة المعارف العثمانية، وهو مبلغ كبير وخطير في ذلك الوقت. والثاني: صدور الأمر الملكي بإقامة مجلس البحوث والتحقيق والتصحيح للكتب القديمة من العلوم الشرقية.وعند استقلال الهند، واجهت الدائرة مشاكل عويصة وصعوبات كبيرة، فتدخل وزير المعارف في الحكومة المركزية الهندية حينها العلامة والزعيم السياسي مولانا أبو الكلام أزاد، وتحدث مع رئيس الوزراء وقتها بشأنها جواهر لال نهرو؛ فأجريت لها المساعدات المالية من قبل الحكومة المركزية بدلهي.وفي سنة 1953م، صدر قرار تحوّلت دائرة المعارف بموجبه إلى إشراف مجلس تنفيذي يرأسه نائب رئيس الجامعة العثمانية، وإلى جانبه يوجد مجلس علمي مهمّته الإشراف على الأعمال العلمية، وينص القانون المنظم للدائرة على أنها هيئة مستقلة تتبع الجامعة العثمانية اسما فقط. وقد جُمِع في الدائرة مجموعة معتبرة من المخطوطات التي جاء بها الخبراء من مكتبات عامة وخاصة في مدينة حيدر آباد، إلا أن معظم تلك المخطوطات قد فقدت وبطرق متنوعة حتى أنه لم يبق بها إلا عدد قليل، نحو 40 مخطوطا أصليا لا أكثر، وقد أخبرنا الشيخ أبو بكر الهاشمي رحمه الله عند زياراتنا المتكررة إلى الدائرة ضمن عملنا في مشروع حفظ التراث الإسلامي الذي كان ينفذه مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بالهند، أن بعض هذه المخطوطات ورد إلى الدائرة من مكتبة روضة الحديث على سبيل الإعارة ولم يرد إليهم حتى الآن، وكانت الروضة في ذلك الوقت مغلقة من قبل الحكومة المحلية لولاية أندهر برادتش وذلك بسبب خلاف نشب بين أهلها، وأقدم مخطوط بالدائرة هو مسند أبي يعلى، وعدد كبير من المصورات الورقية للمخطوطات حصلت عليها الدار من مكتبات عالمية متنوعة في إطار عملها في تحقيق التراث وإخراجه للناس. إنها غنية بالكتب النادرة، حيث يفوق عددها 2000 كتاب، وقد قامت الدار من خلال علمائها بتحقيق وإصدار نحو 1200 كتاب من عيون التراث الإسلامي، ويوجد بها قسم لتحقيق المخطوطات النادرة يشرف عليه كبار المحققين الهنود، وممن مروا على هذا المنصب العلامة الشيخ أبو بكر محمد الهاشمي، وهو رئيس لجنة إحياء المعارف النعمانية بعد وفاة العلامة أبو الوفاء الأفغاني رحمه الله. وتربط الدائرة علاقات وطيدة بعدة مؤسسات عربية وإسلامية وغير إسلامية حول العالم.. والله ولي التوفيق والسداد.*مدير تحرير مجلة ”آفاق الثّقافة والتّراث”

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات