"يهود الجزائر أنصار الاستعمار الفرنسي منذ بدايته"

+ -

يعود تواجد اليهود في الجزائر إلى أزمنة قديمة، حيث كانوا يشكلون جزءا مهما من النسيج الاجتماعي، إذ اندمجوا مع الشعب الجزائري والثقافة المحلية، وعاشوا في الجزائر متمتعين بنفس الحقوق التي يتمتع بها الجزائريون. لكن مع دخول الاستعمار الفرنسي للجزائر سنة 1830، بدأ اليهود ينسلخون تدريجيا من علاقاتهم مع الجزائريين، ويربطون مصيرهم بمصير المعمرين في الجزائر. وقصد التعرف على رد فعلهم من الثورة التحريرية، فتحت "الخبر" نقاشا مع مؤرخين وباحثين حول "مواقف يهود الجزائر من ثورة 1 نوفمبر 1954" وعادت بهذه الحقائق التاريخية.

قال الدكتور محمد قويسم من جامعة سكيكدة، إن موقف الصهاينة اليهود من الثورة التحريرية الجزائرية كان معاديا، لأن الثورة الجزائرية تحريرية والصهيونية استدمار استيطاني مثل الاستدمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر، موضحا بأن هناك من اليهود أتباع الدين اليهودي بعضهم يحملون أفكارا تحررية.

 

اليهود بالجزائر منذ عهد الفينيقيين

 

عاد الدكتور قويسم إلى تاريخ الوجود اليهودي في الجزائر، وقال إنه "يعود إلى الفترة الفينيقية والصراع الكنعاني اليهودي، وخلال الفتح العربي الإسلامي خضع اليهود - حسبه - إلى حكم المسلمين وبقوا على دينهم اليهودي. وخلال الحكم الإسلامي في بلاد المغرب والأندلس، عاش اليهود بحرية مع المسلمين وكان منهم التجار والأطباء مثل يعقوب بن يوسف بن كلس، والطبيب إسحاق الإسرائيلي الذي كان طبيب عبيد الله المهدي، وكان اليهود في بلاد المغرب الأوسط (الجزائر حاليا) خلال العهد الموحدي وما بعده في عدة مدن منها تلمسان وقسنطينة والجزائر.. في ظروف جيدة" .

وخلال العهد العثماني قال إن الوجود اليهودي في الجزائر يتمثل في اليهود الأصليين المعروفين بأصحاب العمامة، ثم يهود الأندلس الذين فروا من محاكم التفتيش الدموية الذين عرفوا باسم "الميغورشيم" أي المطرودين، ثم يهود ليفورن خلال القرنين 17 و18م، الذين عرفوا باليهود الفرنجة الذين سيطروا على الاقتصاد منهم بوجناح وبوشناق .

 

الصهاينة اليهود حاولوا تخريب الثورة من الداخل

 

صرح الدكتور قويسم أن يهود الجزائر كانوا سببا من الأسباب التي أدت إلى الاستدمار الفرنسي للجزائر سنة 1830 من خلال بوشناق وبوجناح، ولم يشاركوا في المقاومة ضد الغزو والاحتلال الفرنسي، بل احتموا مع القناصل الأوروبيين، وساعدوا قوات الاحتلال بالمواد الغذائية ووضحوا لها الطرقات، وفرحوا - حسبه - فرحا شديدا بالاحتلال الفرنسي لمدينة الجزائر والمدن الأخرى، وقاموا بأعمال وحشية ضد الجزائريين، خاصة الأطفال، وكانوا يرتدون الزّي العسكري الفرنسي.. "واستغل الصهاينة اليهود الظروف وصاروا جزءا من الاستعمار الفرنسي حيث أصبح بكري مستشارا خاصا لدى بورمون".

وأوضح بأن مكافأة الاستدمار الفرنسي لهم بإعطائهم الجنسية الفرنسية بموجب قانون كريميو سنة 1870، فأصبحوا جزءا من الاستعمار الفرنسي وزاد ظلمهم للجزائريين بالتطاول والاستخفاف والإهانات والاحتقار: "حتى أصبح اليهودي المتصهين عندما يسأل أخاه عن أحواله يجيبه على الفور، بأنه على أحسن حال، فمحمد يمسح أحذيتي وفاطمة تغسل أرضية منزلي".

ومن أوجه مهاداة الصهاينة اليهود لثورة التحرير منذ اندلاعها في الفاتح نوفمبر 1954، يقول محدثنا: بالاندساس في صفوف المجاهدين والعمل على تخريب الثورة من الداخل، وضمن الحركات المناوئة للثورة خاصة المصالية بشقها السياسي حزب الحركة الوطنية الجزائرية، والشق العسكري حركة ابن لونيس والعقيد بن داود، رغم إخفاء هذه العلاقة في الماضي وحتى الآن. كما اقترف اليهود - حسب الدكتور - خلال الثورة مجازر منها مجازر 12 إلى 14 ماي 1956 بقسنطينة من خلال مليشيات يهودية وأوروبية صهيونية، بالتنسيق مع رجال المخابرات الصهيونية (الموساد) الذين وصلوا إلى مدينة قسنطينة من فلسطين المحتلة وكان عدد هذه العناصر نحو 100 عنصر تسلموا نحو 100 مسدس ووزعوها على المليشيات اليهودية، وخزنوها في صناديق خشبية بأحد دهاليز حانة "غلوب" الواقعة قرب سوق العصر بمدينة قسنطينة القريب من حارة اليهود، "وزعت على الميلشيات الصهيونية اليهودية الأوروبية يوم عيد الفطر 12 ماي 1956، مما يوضح الحقد اليهودي الاستدماري على الجزائريين".

وكان من عناصر الموساد، يذكر الدكتور، أفرام بارزيلي وزوجته، وأبراهام بارزيلاي وشلومو هافيليو، وكان من عناصر المليشيات اليهودية الصهيونية بقسنطينة دندان المجرم المعروف بسوابقه القضائية والمشهور بالإجرام واللصوصية، حيث قاموا بإطلاق الرصاص على الجزائريين في أحياء مدينة قسنطينة، والنتيجة "حوالي 230 قتيل منهم مصلح الساعات (السعاجي) المدعو بونقاب وابنه، رغم أن زوجة الرجل وأم الطفل يهودية". كما عمل اليهود على قتل وتعذيب الجزائريين من خلال العمل في الشرطة والجيش الفرنسي: "مثل يعقوب اليهودي الذي كان يشرف على تعذيب الجزائريين في المكتب الخامس في سان شارل، وبوبكر أوزرات اليهودي الذي كان يعذب في الدائرة الثانية لشرطة الاستعلامات العامة بسكيكدة، حسب المجاهد المرحوم محمد عبد الرحمن قديد في مذكراته، وتجند بعض اليهود الصهاينة في فرقة الصاعقة من أجل قتل الجزائريين المسلمين".

  

عناصر يهودية أيدت الثورة وماتت من أجلها

 

وأكد الدكتور قويسم أن اليهود قاموا بدعم الاستعمار الفرنسي في الجزائر ماليا وعسكريا وفي الخارج إعلاميا ودبلوماسيا في الأمم المتحدة، وفي وسائل الإعلام المختلفة، حيث كان - حسبه - تعاون وثيق بين الكيان الصهيوني وفرنسا في كل المجالات، كما شاركت فرنسا في العدوان الثلاثي على مصر 29 أكتوبر 1956 ضد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، خاصة وأنه كان الداعم الأكبر للثورة الجزائرية.

واسترسل الأستاذ من جامعة سكيكدة حديثه عن أتباع الحركة الصهيونية التي تعمل على إقامة وطن قومي لليهود الصهاينة في فلسطين، منذ قيام الحركة الصهيونية برئاسة حاييم هرتزل سنة 1897 في بازل (بال) بسويسرا الذي حضره من يهود قسنطينة إرنست عطالي، "على عكس بعض اليهود الشيوعيين في الحزب الشيوعي الفرنسي أو الجزائري الذين أيدوا الثورة الجزائرية وماتوا من أجلها مثل هنري علاق وفرناند إفتون وجاكلين نينتر زوجة عبد القادر جيلالي ڤروج"، وأضاف "نتيجة للعداء الكبير للثورة الجزائرية من طرف اليهود الصهاينة مثل ريمون ليريس، مطرب الموسيقى الأندلسية في قسنطينة، الذي قضت الثورة الجزائرية عليه في سوق العصر في مدينة قسنطينة يوم 22 جوان 1961، ومنه بدأ اليهود يهاجرون بقوة من الجزائر إلى فرنسا، منهم زوج ابنته أنريكو ماسياس الداعم للكيان الصهيوني ويريد زيارة مدينة قسنطينة ومدينة الجزائر في ظل دعاية صهيونية، مما جعل الدولة الجزائرية ترفض زيارته" .

 

رغم مساعي جبهة التحرير إلا أن يهود الجزائر آثروا المشروع الاستعماري

 

صرح الدكتور مولود ڤرين، من جامعة المدية، بأن فئة اليهود خلال المرحلة العثمانية بالجزائر ظلت جزءا لا يتجزأ من المجتمع الجزائري، يتمتعون بجميع الحقوق باعتبارهم أهل ذمة، ولكن رغم ذلك كانوا سببا في وقوع الاحتلال نتيجة قضية بكري وبوشناق المعروفة تاريخيا، وذكر في تصريح لـ "الخبر" أنه وبمجرد أن وقع الاحتلال انخرطوا في المشروع الاستعماري منذ الوهلة الأولى، فأرسلوا أبناءهم إلى المدارس الفرنسية في بداياتها الأولى 1831، وتخلوا عن محاكمهم الدينية وانصاعوا للمحاكم الفرنسية، طمعاً في المزايا السياسية والاقتصادية، وفعلا كافأتهم إدارة الاحتلال بـ: الجنسية الفرنسية بموجب قانون كريميو 1871.. "وهذا ما جعلهم يخدمون المشروع الاستعماري أكثر، ويدخلون في تصادمات مع الحركة الوطنية الجزائرية مثل ما حدث في أوت 1934 بقسنطينة".

ولما اندلعت الثورة التحريرية، حسب ڤرين، وكانت بمثابة المشروع الجامع، كانت تنظر إلى اليهود كجزء من الجزائريين، لذلك طمأنتهم في مختلف مواثيقها وبياناتها وأكدت بأن حقوقهم ستبقى مكفولة. كما توجهت إليهم جبهة التحرير، يقول الدكتور ڤرين، بنداء خاص في أكتوبر 1956م تدعوهم إلى تبيين موقفهم، ونشرت جريدة "المجاهد" نداء مذكرة تعلمهم أن اليهود الجزائريين هم جزء من الشعب الجزائري، وطالبتهم بضرورة الانخراط في الثورة. "وأكد فرحات عباس سنة 1957 (أن اليهود لهم نفس الحقوق ونفس الامتيازات والالتزامات)".

وأكد أنه ورغم تلك المساعي، إلا أن غالبية يهود الجزائر كانوا متمسكين بفكرة "الجزائر الفرنسية" حفاظا على مصالحهم وامتيازاتهم الاقتصادية والسياسية، بل ذهب بعضهم إلى اعتبار الانضمام إلى الثورة خيانة، وانخرط الكثير منهم في منظمة "OAS" الإرهابية لإجهاض مشروع استقلال الجزائر، "وظل يهود الجزائر متمسكين بهذه الفكرة إلى غاية استعادة السيادة الوطنية، فغادر أكثر من 90 بالمائة منهم نحو فرنسا، وجزء التحق بكيان الصهيوني في فلسطين".

تحدث ڤرين عن الأسباب التي جعلت طائفة اليهود تتمسك بخيار "الجزائر الفرنسية"، وصرح بأن الحفاظ على الجنسية الفرنسية وما ترتب عنها من امتيازات سياسية واقتصادية دفعتهم لذلك، لاسيما وأنهم تاريخيا عرفوا باستماتتهم على مصالحهم منها الاقتصادية، إضافة إلى أن جزءا كبيرا منهم تفرنس وتخلى عن لغته وعاداته وتقاليده، وأصبح يهودياً بالاسم فقط. دون إغفال عامل مهم؛ وهو دور غلاة الكولون الذين عملوا جاهدين على التأثير على هذه الطبقة واستمالتها وتوظيفها ضد الثورة التحريرية.

 

يهود الجزائر راهنوا على الاحتلال الفرنسي وهاجروا معه

 

من جهته، قال الدكتور قوبع عبد القادر من جامعة الجلفة، إن موقف يهود الجزائر من جبهة التحرير الوطني وثورتها (1954-1962) كان واضحا منذ البداية ولم يعرف أي تطور أو نقاش أو تفاوض. وذكر لـ "الخبر" أن اليهود اعتبروا أنفسهم مواطنين فرنسيين رافضين للثورة ومعادين لجبهة التحرير: "أما موقفهم من قيام دولة إسرائيل 1948؛ فرغم تعاطفهم مع هذا الحلم التاريخي المتدثر بغطاء ديني، إلا أنهم اكتفوا بدعم مادي دون الهجرة إلى أرض فلسطين المحتلة والمغامرة بالبداية من نقطة الصفر".

واعتبر قوبع إصرار جبهة التحرير الوطني على اعتبار يهود الجزائر رعايا جزائريين ودعوتهم مرارا للانضمام إلى الثورة والبقاء في الجزائر بعد رحيل الاحتلال الفرنسي، بالأمر الذي لم يجد له تفسيرا مقنعا.. وقال إن هذه الدعوات السخية نجدها في مؤتمر الصومام وفي نداءات جبهة التحرير إلى الحاخام الأكبر في الجزائر في سبتمبر 1956...".

وفي رد جبهة التحرير على استفسار المجلس اليهودي الأمريكي في جويلية 1958 حول مستقبل اليهود، حيث طمأنته على أمن يهود الجزائر ووضعيتهم بعد استقلال الجزائر، وهم مواطنون لهم كل الحقوق التي يتمتع بها بقية الجزائريين، باعتبارهم سكانا للبلاد منذ قرون كثيرة".

واستشهد قوبع بتصريح صحفي للسيد فرحات عباس، رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، الذي أكد حسبه موقف الجبهة الثابت في اعتبار يهود الجزائر مواطنين جزائريين لهم نفس الحقوق وعليهم الواجبات نفسها التي على الجزائريين، وفي مناسبات أخرى كثيرة صرح "كل هذه الإغراءات والدعوات لحاخام الجزائر الأكبر بدعم الثورة ودعم جزأرة يهود الجزائر، لم يقابلها أي رد أو تجاوب يهودي؛ بل إن الوكالة اليهودية تخوفت من سخاء هذه الدعوات وتأثيرها على إفشال حركة الهجرة نحو إسرائيل، لذلك دعت اليهود مرارا إلى الهجرة إلى فرنسا ثم إلى إسرائيل؛ لأن الجزائر المستقلة رغم تعهداتها ودعواتها ووعودها لن تضمن لهم ما يحلمون به".

ويعتقد الدكتور قوبع أنه من الواضح أن يهود الجزائر لم يفرطوا في امتيازات الجنسية الفرنسية ولم يغامروا مع جبهة التحرير الوطني في دعم ثورتها، رغم أنها كانت فرصة تاريخية لتصحيح خيانتهم التي ارتكبوها في 1871 بقبولهم الجنسية الفرنسية، وتخليهم عن الجزائريين في معركتهم المصيرية ضد الاحتلال الفرنسي الرهيب.

وختم بالقول إنه رغم كل ما أورده من مواقف، لم تتورط جبهة التحرير - بعدما تبين لها استحالة انضمام اليهود ودعمهم للثورة - في فرض منطقها بالقوة ضدهم، متسائلا: هل كان ذلك أملا في عودتهم للصواب وبقائهم في البلاد؟ هل كان خوفا من الصدى الإعلامي وتصوير ذلك اعتداء على الأقليات الدينية؟"، وأضاف "في الأخير يمكن القول إن يهود الجزائر قد راهنوا على الاحتلال الفرنسي وهاجروا معه وانتهت قضيتهم معه".