معنى الولاء حب الله ورسوله وأصحابه والمؤمنين ونصرتهم، ومعنى البراء بغض من خالف الله ورسوله وأصحابه والمؤمنين، من الكافرين والمشركين والمنافقين والفساق. يقول الحق سبحانه: {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم، دينا قيّما، ملّة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين}، فربّنا سبحانه افترض على المؤمنين عداوة المشركين وبغضهم، وهي ملّة إبراهيم عليه السلام، وملّة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.
كل مؤمن موحد ملتزم بالأوامر والنواهي الشرعية، تجب محبته وموالاته ونصرته، وكل من كان خلاف ذلك وجب التقرب إلى الله تعالى ببغضه ومعاداته: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}، والولاء والبراء من أوثق عرى الإيمان، وهما من أعمال القلوب، لكن تظهر مقتضياتهما على اللسان والجوارح، فعند أبي داود: “من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان”. والولاء والبراء مبنيان على أصلين: الأول: إخلاص العبادة لله سبحانه، والثاني: البراءة من الشرك والمشركين وإظهار عداوتهم: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا بُرآء منكم ومما تعبدون من دون الله}، وإذا كان واجبا على المسلم أن يقول هذا لقومه الذين هو بين أظهرهم، فكونه واجبا مع الكفار الأبعدين عنه، المخالفين له في جميع الأمور أولى وأظهر، فمن لم يحقق هذين الأصلين لا يصح له أن ينتسب إلى إبراهيم وملّته: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق}، بل لقد حرم ربّنا على المؤمن موالاة الكافرين ولو كانوا من أقرب الناس إليهم: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}.
وصور موالاة الكفار متعدّدة، فمن ذلك عدم مودّتهم ومحبّتهم والركون إليهم: {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا، إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات}، فإذا كان هذا الخطاب لأشرف مخلوق فكيف بغيره، وكذا مداهنتهم: {وَدُّوا لو تُدهِن فيُدْهِنون}، ومن صور الولاء والبراء عدم طاعتهم فيما يقولون وفيما يشيرون: {ولا تُطِع من أغفلنا قلبه عن ذِكرنا واتبع هواه}، ومن ذلك عدم تقريبهم في المجالس، والبشاشة لهم والطلاقة، واتخاذهم بطانة من دون المؤمنين، واستعمالهم في أمر من أمور المسلمين، سواء كان أمر إمارة أو غيره، ومن الصور عدم استئمانهم ومناصحتهم، والتشبه بهم، وكذلك عدم السكن معهم في ديارهم، فعند أبي داود: “من جامع المشرك -اجتمع معه- وسكن معه فإنه مثله».
وكما حرّم ربنا سبحانه موالاة الكفار، فقد أوجب موالاة المؤمنين ومحبّتهم: {إنما وليُّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون}، ومن مظاهر موالاة المؤمنين: الهجرة من بلاد الكفار إلى بلاد المسلمين فرارا بالدين، فقد تبرّأ النبي صلى الله عليه وسلم من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، فعند أبي داود من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى خثعم، فاعتصم ناس منهم بالسجود، فأسرع فيهم القتل، قال: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العقل (أي: بنصف الدية)، وقال: “أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين”، قالوا: يا رسول الله لِمَ؟ قال: “لا تراءى ناراهما” (أي: يلزم المسلم ألا ينزل بالموضع الذي إن أوقدت فيه ناره تلوح وتظهر للمشرك إذا أوقدها في منزله). ومن مظاهر الموالاة أيضا: مناصرة المسلمين ومعاونتهم بالنفس والمال فيما يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم}، ومن مظاهر موالاة المؤمنين: النصح ومحبة الخير لهم وعدم غشهم، لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».. والله ولي التوفيق.
*إمام وأستاذ بجامعة العلوم الإسلامية – الجزائر1