فرنسا كانت تخاف من الأمير عبد القادر حتى وهو في سجنها

+ -

اعتبر مشاركون في الندوة التاريخية حول الذكرى الـ176 لنفي الأمير عبد القادر إلى فرنسا، أن مرحلة سجن الأمير في منفاه، تعتبر محطة هامة من سيرته وتحتاج إلى المزيد من الدراسات لكشف الظروف التي كان يعيشها ورفاقه الأسرى في فرنسا. وقال الدكتور محمد البشير بويجرة، إن الأمير خلال الفترة التي كان فيها بسجن “أومبواز” طوى صفحة المقاتل في الميدان، وأبدع شخصية أدبية فكرية فلسفية، وبدأ مفكرون فرنسيون يزورونه ويتّصلون به، مما أثار مخاوف فرنسا من أفكاره، لذلك قامت بترحيله إلى دمشق للتخلّص منه.

 أكد الأستاذ محمد بشير بويجرة، المختص في الأدب والنقد بجامعة وهران 1 في مداخلته التي نظمتها دار الثقافة والفنون لوهران، بالتنسيق مع تنسيقية المواطنة المستدامة وجمعية أجيال الأمير عبد القادر، أن “الوثائق حول ظروف الأمير عبد القادر في قصر آمبواز (فرنسا) الذي لم يكن قصرا وإنما سجنا، قليلة جدا (الوثائق)، وأن كل المنفيين الذين كانوا معه عاشوا المعاناة والحرمان في فترة تزيد عن سبع سنوات، علما أن بعض البحوث تشير إلى أن عدد الموتى من المنفيين تجاوز 150 متوف بمنطقة أمبواز”.

وأوضح الأستاذ محمد بشير بويجرة في تصريح لـ”الخبر”، أن هناك قراءات كثيرة ومتعددة لهذه المرحلة، فمنها التاريخية التي ذكرها عدد كبير من المؤرّخين في كتبهم، حيث كان من المفروض أن ينقل الأمير إلى عكة حسب الاتفاق بين الأمير والقوات الفرنسية في ذلك الوقت، لكن في آخر لحظة السفينة توجّهت إلى فرنسا، ليطرح عددا من التساؤلات. مشيرا إلى أنه كأديب لا يتحدث عن الجوانب التاريخية لكن عن الأبعاد الدلالية الفكرية والفلسفية والسوسبولوجبة والنفسية، ويرى أن السؤال المركزي يتمثل في “لماذا فرنسا لم تف بعهد الأمير وتنقله إلى المشرق العربي؟”، مذكّرا بأن الأمير عبد القادر، الشاب الذي ولد في البادية الجزائرية ولم يعرف القتال قبل ذلك، استطاع أن يُكوّن جيشا مهمّا من الشباب، وأن يهزم فرنسا وجنرالات نابليون في عدة معارك، حيث قتل 17 جنرالا في جميع معاركه، مما دفع الفرنسيين إلى الخوف والقلق منه، وتجلى ذلك في نقضهم لكل المعاهدات التي كانوا يوقّعونها معه، وعندما قبضوا عليه ورغم أنه أمامهم كانوا خائفين منه لذلك أخلفوا عهدهم.

وأشار بويجرة إلى أن الأمير عبد القادر في هذه الفترة، طوى صفحة المقاتل في الميدان وأبدع شخصية أدبية فكرية فلسفية، فكتب في سجن “أومبواز” كتابين مهمين منهما “المقراض الحاد”. وأبرز الأمير أنه مفكر وفيلسوف وقدّم رؤيته للحياة والمساواة والعدل الإنساني، مضيفا أنه من هنا بدأ المفكرون والأدباء الفرنسيون يزورونه ويتصلون به بطرق مختلفة، وهنا بدأ الخوف من الأمير عبد القادر لو بقي بفرنسا، فقررت السلطة أن ترحّله إلى المشرق العربي، ولم يكن ذلك وفاء بالعهد، لكن خوفا من الأمير وأفكاره ولكي يرتاحوا منه، لينقل إلى سوريا وهنا يقول بويجرة ظهرت شخصية الصوفي الإنساني العالمي والكثيرين يعودون إلى موقف الأمير في المذبحة الشامية، حيث برزت شخصيته في الجانب الإنساني الرائع والدور الذي لعبه في إنقاذ حياة 15 ألف مسيحي في الشام سنة 1860، والذي على إثره تلقى الأمير الإشادة والعرفان من الغرب، واصفين شخصه مثالا ورمزا للتسامح والإنصاف.

من جهته، قال بن جبور محمد، مدير مخبر التاريخ والبحث التاريخي مصادر وتراجم بجامعة وهران 1 “أحمد بن بلة”، إن ذكرى نفي الأمير عبد القادر إلى فرنسا الذي كان يوم 23 ديسمبر 1847 إلى غاية 1852 فرصة لاستجلاء الحقائق التاريخية المرتبطة بالسيرة الجهادية لمؤسس الدولة الجزائرية الحديثة.

وقد ظل الأمير عبد القادر ورفقائه في الجهاد، خلال فترة أسرهم، يعانون الاغتراب والظروف القاسية بفرنسا، وفق ذات المتحدث، الذي أبرز أن هذه المرحلة تعتبر هامة في سيرته وحياته وتحتاج إلى عدة كتابات تتناول الظروف التي كان يعيشها الأسرى الجزائريين في فرنسا.