38serv

+ -

هل هناك من يذكرني ببعض التواريخ الحزينة التي رفضت ذاكرتي أن تخزنها، رغم أنها تأبى إلا أن تعيش في ماضي بعض المقربين الذين رحلوا عن عالمنا؟ فقد نفقد الإحساس بهذه التواريخ المؤلمة، لكن ذكرى هؤلاء ستبقى تعيش معنا إلى أن نلتقي في العالم الأحسن والفاضل الذي رحلوا إليه..

تمر الأيام مسرعة، فتكنس معها أرواحنا وبقايا أحلامنا. وفجأة تستوقفنا ذكريات عشناها، تارة بفرحة الالتقاء وتارة أخرى بحزن الفقدان الذي يشعرنا أننا أصبحنا نعيش في عالم غير عالمنا الذي كنا فيه بعدما فقدنا أشخاصا هم أقرب إلينا من حبل الوريد.. هي إذن حكاية أقدار وأعمار وذكريات تعود إلينا في كل مرة، كذكرى الزميل والأخ والمسؤول عامر محيي الدين، الرئيس المدير العام السابق لشركة "الخبر"، الذي أرغمته ظروف المرض على أن يتخلى عنا وعن مشروع إعلامي رعاه رعاية الأب لابنه، فارقنا وكان راضيا بقضاء الله وقدره، يوم 12 فيفري 2010.

رحل عنا عامر محيي الدين من هذه الدنيا سريعا، وكأنه كان يقول إن الأشياء الجميلة ترحل سريعا، فالجمال لم يكتب له أن يعيش طويلا على الأرض، هكذا أخبرني الرجل الحكيم وصوت الحكمة، صديقي وزميلي قبل أن يكون مسؤولي، عامر محيي الدين..

ما كنا نفترق عن بعضنا إلا للضرورة القصوى، وهي الالتحاق بعوائلنا على مدى حوالي 12 سنة، كان إنسانا مميزا جدا عن باقي الزملاء في يومية "الخبر"، وحتى في الجرائد التي عملت فيها قبل أن ألتحق بالعمل في "صوت الملايين من القراء في الجزائر العميقة". عرفته بكبريائه.. يملك أنفة متينة لا يمكن تخطيها أو كسرها، صاحب روح مرحة طاهرة نقية يصعب وصفها، وفوق ذلك كان حكيما في آرائه.

وما يزال الزملاء ممن رافقوا يومية "الخبر" منذ بداياتها الأولى، وهو أحد مؤسسيها وصناع نجاحات جريدة ترفع شعار "الصدق والمصداقية"، يتذكرون الراحل عامر محيي الدين الذي كانت لديه قدرة فائقة على نسج علاقات إنسانية متينة وعلاقات مهنية في غاية الأهمية، بميزة الحكمة والذكاء والنظرة المستقبلية، كانت له القدرة على تقريب الأضداد، ويتقبل بصدر رحب كل رأي ولو كان ممن لا يتفقون معه.

في يوم جنازة فقيد "الخبر" عامر محيي الدين بمسقط رأسه في العفرون، امتلأت المقبرة وأطرافها بالمشيعين، فقد حضر الزملاء من الجرائد ومختلف وسائل الإعلام في الجزائر، وحضرت وجوه سياسية وتاريخية ووزراء، ولم يتخلف عن هذا الجمع في جنازة مهيبة معظم سكان مسقط رأس الراحل ورفاق الصبا، حتى كان يخيل لكل من حضر أن الفقيد كان يقدم لهم آخر حكمه في الحياة "سنرحل ويبقى الأثر.. فاترك أثرا في النفوس لا يمحوه الزمان".