”أوقاف الجزائريين في فلسطين تنتظر من يخلصها من هذا العدو الغاصب”

38serv

+ -

 أكد الباحث المقدسي في التراث الفلسطيني، الأستاذ إبراهيم باجس، في حوار لـ”الخبر”، أن أوقاف سيدي أبي مدين الغوث والجزائريين في مدينة القدس وكافة المدن الفلسطينية كثيرة، ملفتا إلى أن قرية عين كارم بأكملها ملك لأبي مدين، مشيرا إلى أن هذه الأخيرة اغتصبها يهود المغرب العربي، ودعا الجزائريين إلى “استرداد هذه الأوقاف وطرد الصهاينة منها، كما طردتم المستعمر الفرنسي البغيض الذي جثم على أرضكم 132 سنة”.

كفلسطيني، كيف توصف الشغف الجزائري بفلسطين؟
 ربما تكون شهادتي مجروحة في الإجابة على هذا السؤال، فأنا وإن كنت فلسطيني المولد والنشأة، فإنني جزائري الهوى، وقد يكون في هواي هذا ميل لمن أحب، وهي الجزائر وأهل الجزائر. لكن، أزعم أن شعور (الهوى الجزائري) الذي أشعر به يشعر به كل فلسطيني، لكن لماذا كان هذا الهوى في حب الجزائر؟ إنه انعكاس لحب الجزائريين لفلسطين وشعب فلسطين وقضية فلسطين. وقد تشرّفت بزيارة الجزائر مرات عديدة، وتجوّلت في كثير من ولاياتها، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وزرت كذلك كثيرا من الدول العربية والإسلامية، لكن لم أشهد، والله، حبا لفلسطين كما شهدته من أهل الجزائر، وهذا ما أقوله دوما لأهلنا الفلسطينيين في فلسطين نفسها، أو من كانوا في بلاد الشتات. وهذا الحب الجزائري العظيم لفلسطين دفعني إلى تأليف كتاب عن “تاريخ الجزائريين في بيت المقدس وفلسطين”، أسأل الله أن يعينني على إتمامه، وأن يكون فيه رد بعض الجميل لإخواننا في الجزائر وما يقدمونه من أجل نصرة قضية فلسطين.

أهديت لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف الجزائرية، قبل سنة ونيف، مفتاحا لأحد بيوت سيدي أبي مدين الغوث في ضواحي مدينة القدس الشريف، لماذا؟
 ببساطة أقول: أنا لم أقدم هذا المفتاح هدية، إنما هي أمانة أعدتها إلى أهلها وأصحابها، عملا بقول الله عز وجل: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}. فبيت سيدي أبي مدين الغوث ليس ملكا للفلسطينيين، إنما هو ملك ووقف للجزائريين، ومعهم إخوانهم من عموم المغرب العربي. فهو ملك لهم، وموقوف عليهم، وكان له شرف أن يكون هذا الوقف في أرض فلسطين المباركة. وقلت، حينها، لإخواننا الجزائريين: هذا مفتاح بيتكم، بيت سيدي أبي مدين الغوث، نرجعه إليكم، عسى أن تعملوا على استرجاع البيت نفسه من الصهاينة المغتصبين.

ما هي أوقاف سيدي أبي مدين في بيت المقدس غير حارة المغاربة؟
المتبادر إلى أذهان الكثير من الناس، ومنهم الجزائريين، أن أوقاف سيدي أبي مدين الغوث هي الواقعة في حارة المغاربة فقط، بينما الأمر بخلاف ذلك. وقد أشرت إلى ذلك في الكتاب الذي أعكف على تأليفه، فقد ذكرت أن هناك كثيرا من الأوقاف الجزائرية، ومنها أوقاف سيدي أبي مدين، في مدينة القدس نفسها وفي غيرها من مدن فلسطين. ولعل من أشهر هذه الأوقاف، خارج حارة المغاربة، قرية عين كارم بأكملها، وهي قرية كبيرة تبعد 7كلم للجنوب الغربي من مدينة القدس، احتلها المغتصبون الصهاينة وسكنوا في بيوتها. ومن المفارقات المضحكة أن من يسكنها هم اليهود الذين أتوا من دول المغرب العربي، وكأنهم يقولون: هذه البلدة وقف مغربي، ونحن أحقُّ به من غيرنا! ويوجد أوقاف كثيرة لسيدي أبي مدين غير ذلك، منها (حاكورة) بالقرب من المحكمة الشرعية بالقدس. وقد وُقفت على مصالح أبي مدين الغوث الحفيد في سنة 828هـ/1424م، ومنها وقف إسماعيل اللِّمداني، ومحمد اللمداني، وإسماعيل اللمداني (من مدينة المدية)، ووقف المشيشي، ومنها أوقاف صافية ونجمة الجزائريتين في القرن السابع عشر الميلادي، وكلها أوقاف على مصالح سيدي أبي مدين. كما كان هناك كثير من الأوقاف الجزائرية في غير مدينة القدس، موقوفة على مصالح سيدي أبي مدين، منها وقف محمد آغا التلمساني، ووقف الحاج المختار ابن الحاج محمد بيرم التلمساني في مدينة غزة، ووقف النقيب في مدينة يافا.

هل لديك إحصاء شامل للأوقاف الجزائرية في فلسطين عموما وفي القدس خصوصا؟
 لعل جواب هذا السؤال متعلق بالسؤال السابق، إذ أن كثيرا من الأوقاف الجزائرية كانت مرتبطة بوقف سيدي أبي مدين، سواء كانت في حارة المغاربة، أو في غيرها من الأماكن في بيت المقدس، أو غيرها من مدن فلسطين. وكما قلت آنفا، أوقاف أبي مدين ليست مقصورة على ما كان في حارة المغاربة أو في قرية عين كارم، أو في كل القدس، بل انتشرت في عموم مدن فلسطين وقراها. ففي مدينة يا أوقاف وفي غزة والخليل والرملة وغيرها من المدن أوقاف للجزائريين، ولسيدي أبي مدين على وجه الخصوص. وأحب أن أشير إلى أمر مهم، وهو أن هذه الأوقاف التي ذكرتها كانت منذ أن شارك الجزائريون وإخوانهم المغاربة في فتح بيت المقدس مع صلاح الدين الأيوبي. لكن هناك أوقاف أخرى للجزائريين وجدت في العصر الحديث، عند هجرتهم مع الأمير عبد القادر الجزائري إلى بلاد الشام وفلسطين خاصة، حيث أنشأوا لهم تجمعات سكانية، فكان لهم قرابة 15 قرية في الشمال الفلسطيني، منها قرى: سَمَخ وهوشة وعَوْلَم ومَعذَر وكفر سبت والتليل وماروس والحسينية وغيرها. لكن المحتل الصهيوني دمّر هذه القرى في نكبة عام 1948، ولم يبق شيء من معالمها إلا بعض أطلال المساجد الوقفية التي عمّرها الجزائريون، كما هجّر المحتل الصهيوني أهل هذه القرى الجزائرية، فرحلوا إلى شمال الأردن وإلى لبنان وسوريا.

هل هذه الأوقاف هي الآن ملك للفلسطينيين أم استولى عليها المستوطنون الصهاينة؟
 يمكن أن أقول إن هذا السؤال ينقسم قسمين، والجواب على كليهما (نعم)، نعم هذه الأوقاف ملك للفلسطينيين، بل هي ملك للجزائريين قبل الفلسطينيين، منذ أن كانت وقفا لسيدي أبي مدين، أو وقفا عليه، كانت كذلك وستظل كذلك إلى قيام الساعة. ونعم، استولى عليها الصهاينة منذ أن احتلوا فلسطين، فقرية عين كارم التي أعدتُ مفتاح أحد بيوتها لأهلنا في الجزائر، احتلها الصهاينة عام 1948، وحارة المغاربة التي فيها أوقاف أبي مدين هدمها الصهاينة بعد أيام معدودات من احتلالهم مدينة القدس عام 1967. وقل الأمر نفسه في كثير من أوقاف الجزائريين في فلسطين التي تنتظر من يخلصها من هذا العدو الغاصب، وأنا هنا أقول لإخواننا الجزائريين: إن لكم وقفا ودورا وبيوتا استولى عليها اللصوص من شُذاذ الآفاق، تنتظر أن تستردوها وتطردوهم منها كما طردتم المستعمر الفرنسي البغيض الذي جثم على أرضكم 132 سنة.

ماذا بشأن علماء الجزائر في فلسطين المحتلة؟
 فلسطين، والقدس خاصة، كانت محطَّ أنظار العلماء المسلمين من شتى بقاع الأرض، ومنهم علماء الجزائر، فقد زارها كثير من علماء هذا البلد معلمين ومتعلمين، وكان لكثير منهم حضور بارز في مجالس العلم في المسجد الأقصى وفي غيره من مساجد فلسطين ومدارسها. وقد قدموا إلى فلسطين من كل مدن الجزائر وولاياتها، فهذا من بسكرة، وهذا من قسنطينة، وذاك من تلمسان، وآخر من عنابة أو من بجاية. وأنا أذكر منهم، على سبيل أمثال لا الحصر، محمد عارف بن أحمد القسنطيني، وعبد الرحمن بن يعقوب القسنطيني، ومحمد بن محمد بن يحيى الندرومي التلمساني، والطيب بن محمد بن إبراهيم العقبي، ومحمد بن محمد بن أبي البجائي، وعبد الله بن إبراهيم البِسكري، والمؤرخ الأديب الكبير المقري صاحب كتاب “نفح الطيب”، وغيرهم كثير لا يتسع المجال لحصرهم هنا. ويكفي أن أقول إنني أحصيت حوالي خمسة عشر عالما من مدينة تلمسان وحدها، كان لهم أثر كبير في نشر العلم في فلسطين.