+ -

 جاءت شريعة الإسلام لإقامة مصالح العباد في العاجل والآجل، لذا اهتمت بكل شؤون الفرد والمجتمع، وفي مختلف المجالات، ومن بين ما اهتمت به الشريعة فجعلت له أحكاما وآدابا، بل وعقوبات رادعة: السوق، مُلتقى الناس لأجل المصالح والحاجات، وتحصيل المنافع بمختلف التجارات، والسوق واحد من وسائل الكسب التي كتب الله فيها الرزق، وأحد المواضع التي يسعى إليها الإنسان ليسد بها حاجته.

لا غنى للمرء عن السوق على مدار السنة، لذلك فهو بحاجة إلى معرفة آدابه، حتى ينال حاجاته من غير إثم، ويُحصّل منافعه من دون أن يضر بدينه أو بأخلاقه، بل وبما أننا على أبواب رمضان نكون في أشدّ الحاجة إلى التحلي بأخلاق الإسلام في البيع والشراء ودخول الأسواق، حفاظا على الصيام، وتدريبا على أخلاق الإسلام في رمضان، عسى أن تكون تلك أخلاقه على الدوام. والمسلم بإمكانه أن يكون في عبادة وهو في السوق إذا أحسن النية وأحسن الخلق، ويُحصّل الأجر وهو يسعى في حاجاته، إذ يستحب لمن دخل السوق أن يدعو بما ورد في الحديث: “من قال حين يدخل السوق لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حيّ لا يموت، بيده الخير كله وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألفَ ألف حسنة، ومَحا عنه ألف ألف سيئة، وبنى له بيتا في الجنة” رواه ابن ماجه.

وإذا تلفظ المسلم بهذا الدعاء وهو يدخل السوق فكأنما يُذكّر نفسه ويشعرها بمراقبة الله، فما على النفس إلا أن تتعامل وِفق ما يُرضي الله، سواء كان تاجرا أو متسوقا، بائعا أو مبتاعا، فيجتنب أهم خلق مذموم في السوق، ألا وهو الصخب ورفع الصوت، والخصام واللجاج، لاسيما إذا كان المرء صائما أو في أيام رمضان، فإن دفع السيِئة بالحسنة، وردّ السباب والخصومة بالعفو والاحتمال أمر مطلوب، لما جاء في الحديث: “فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم”. فعلى المتسوق أن يُلزم نفسه السكينة ويجنبها الفظاظة، وقد كان من هدي النبي وسمته في السوق أنه ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيِئة السيِئة، ولكن يعفو ويغفر.

ومن الأخلاق المطلوبة في أسواق المسلمين غض البصر وكف النظر، ففي السوق تكثر عثرات الناس، فينبغي عدم تتبعها لا باللسان ولا بالعينين، ومن المعلوم أن السوق من أحب الأماكن للشياطين، وبالتالي فلابد للإنسان من غض بصره عن النظر إلى ما حرّم الله، والتحصن عند دخوله السوق بالأذكار الشرعية، ولأن النساء في زمننا هذا أكثرن من الخروج والولوج إلى الأسواق، وأن بعض التجار، وخصوصا الشباب، قد تأثّروا بالكفار في أساليب الدعاية، فعلّقوا صور النساء على واجهات المحلات، فيجب غض البصر.

ومما ينبغي التأكيد عليه حُسن الخُلق الذي لا يعدله صيام النهار وقيام الليل، وأن تكون معاملة التاجر للناس جميعا، خصوصا كبار السن، معاملة الشريف النزيه الذي يأمن الناس عند الدخول إلى محله، فلا يخص الفتيات بالتكلف، والمسنين بالتأفف، والحذر كل الحذر من تتبع خطوات الشيطان.

وينبغي للمسلم أن لا يذهب للسوق إلا عند الحاجة، ولا يمكث فيه إلا بقدر الحاجة أيضا، فكثرة التردّد على الأسواق من الحرص على الدنيا، ومن الافتتان بملاذها، بل إن في التردّد على السوق من غير حاجة مفاسد جمّة، منها الإسراف، ومنها حصول الألم على فوات ما لا يقدر عليه، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم: “أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها” رواه مسلم، لأنها محل الغش والربا والأيمان الكاذبة والخصام وغير ذلك مما في معناه ممن لا خلاق له ولا ورع ولا تقوى.

والسوق في رمضان يكون محل إهدار الوقت، فلا ينبغي للمسلم أن يضيّع وقته في التنقل بين الأسواق، ولا يكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، بهذا جاءت وصية سلمان رضي الله عنه حيث قال: لا تكونَنّ إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته.
*إمام مسجد الشهداء - بوروبة