+ -


تعد ظاهرة التسول من الظواهر الاجتماعية المنتشرة منذ القدم في العديد من المجتمعات وتحتاج إلى اهتمام وتدخلات فعّالة للتعامل معها.

والتسول من الظواهر السلبية التي تشير إلى تجذر مشاكل اجتماعية وأخلاقية في المجتمع، ويقيمه الكثير من الباحثين الاجتماعيين على أنه (ظاهرة اجتماعية) تتفاقم باستياء أوضاع البلد وإن كثيرا من الناس يتخذون التسول عملا وحرفة.

وقـد يتسول الناس لعدة أسباب أهمها ارتفاع نسبة الفقر والبطالة في المجتمع وأنها تجارة مربحة للبعض بدلا من العمل، إلى جانب أن تكاليف العلاج المرتفعة التي تدفع الأغلبية للتسول وكذا الإدمان على المخدرات التي تعد عاملا من العوامل المسببة لهذه الظاهرة، بالإضافة إلى أنه مرض نفسي يعاني منه بعض الأفراد وأيضا اتخاذه مهنة متوارثة من الأجداد وأيضا بسبب غلاء المعيشة والمشاكل الاجتماعية.

الآثار المترتبة
يترتب عن ظاهرة التسول آثار، منها: ارتفاع نسبة البطالة إثر انخفاض إنتاجية الأفراد عن العمل، ترك انطباع سيئ عن الدولة التي تنتشر فيها هذه الظاهرة وتشويه صورة المجتمع، حيث بتواجد هؤلاء المتسولون عند المساجد أو الطرقات أو إشارات المرور أو المطاعم أو المستشفيات أو البنوك أو الأسواق أو الأماكن العامة الأخرى، وحرمان الأطفال من حقوقهم الأساسية: التعليم، الصحة، الأمان، وأيضا شيوع الجرائم والسرقات بشكل واسع، وكذا تعرض الأطفال لأمراض جسدية ونفسية إثر هذه المسألة.

ولقد حذر الإسلام من التسول ونفّر منه؛ لأن صاحبه يفقد کرامته في الدنيا ويسيء إلى آخرته، والتحذير منه جاء بكل صوره، كما دعا الإسلام إلى التعفف والقناعة والرضا، حيث حـرص على المحافظة على كرامة الإنسان وحمايته من التعرض للإهانة، قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم}.

ولقد حـرم الإسلام هذه الظاهرة لما لها من آثار سلبية تعود على الأفراد والمجتمعات ككل. ونبينا محمد صلَّى الله عليه وسلَم حذرنا من التسول، قال عليه الصلاة والسلام: “ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مُزْعة (قطعة) لحم”. قال الإمام النووي: معناه: يأتي يوم القيامة ذليلا ساقطا، لا وجه له عند الله، وقيل: هو على ظاهره، فيُحشَر ووجهه عظم لا لحم عليه؛ عقوبة له، وعلامة له بذنبه حين طلب وسأل بوجهه، وهذا فيمن سأل لغير ضرورة سؤالا منهيا عنه وأكثر منه.

وعن أبي هريرة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: “لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحُزمة الحطب على ظهره، فيبيعها، فيكُفّ الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه”.

إن اتخاذ التسول حرفة وجعله وسيلة لجمع المال دليل على ضعف ثقة المتسول بالله تعالى الذي ضمن الأرزاق لجميع عباده وأمرهم بالأخذ بالأسباب للحصول على الرزق. فالمتسول بدلا من أن يتوجه إلى الله لطلب الرزق، فإنه يمد يده إلى الناس. قال الإمام النووي: اتفق العلماء على النهي عن السؤال من غير ضرورة.

إن ظاهرة التسول تبقى من الظواهر التي تهدد أمن المجتمع واستقراره، كما أنها تدلل على ضعف إيمان كل شخص يقوم بممارستها، أيضا تجعل صاحبها يظهر بصورة المحتاج والذليل، ولتفادي كل ما سبق ذكره لابدّ من ترك مسألة التسول والاعتماد على العمل والإنتاج بجهد شخصي، قال صلّى الله عليه وسلم: “اليد العليا خير من اليد السفلى”.

يجب على المسلم الذي يتصدق على الفقراء وأن يبذل جهده ويتثبت ولا يبذل زكاته إلى كل من مد يده، بل يسأله بدقة، ولو أن هؤلاء المتسولين استعملوا في طريقٍ منتجٍ من تجارة أو غيرِها ما يصل إلى أيديهم من الصدقات لما بقي في الأمة منهم متسول، ولكن هؤلاء قوم أَلِفوا هذا العيش وركنوا إليه، لا يدفعهم إليه فقر، ولا يردهم عنه غنى، وقد ظهر أن بعض المتسولين عندهم ثروة كبيرة قد جمعوها من التسول وهذا سببه عدم التثبت.

إن علاج ظاهرة التسول مهمة متعددة الجوانب تتطلب تعاونا بين الحكومات والمؤسسات غير الحكومية والمجتمع المدني.
هذا ويمكننا أن نوجز وسائل علاج ظاهرة التسول في: ترغيب الناس في العمل، قال النبي صلّى الله عليه وسلم: “ما أكـل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده”. تحقيق التكافل الاجتماعي، لأن تعاليم الشريعة الإسلامية تهدف إلى تحقيق التكافل بين الأفراد في جميع نواحي الحياة، والفرد في المجتمع المسلم جزء من كل، الفرد مسؤول عن الجماعة والجماعة مسؤولة عنه؛ ويجب أولا على أسر وأقرباء المتسولين التكفل بهم أولا.

دعم برامج تشغيل العاطلين عن العمل وضرورة اهتمام إدارات الشؤون الاجتماعية والعمل بالأسر الفقيرة ومساعدتها وتخصيص راتب شهري لها، وتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي، والقيام بدراسات مكثفة للتعرف على الأسباب النفسية والاجتماعية والتربوية والأسرية لتسول الطفل وكذا ضرورة قيام وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية بدور مهم في التعريف بالظاهرة وتوضيح حجمها وأضرارها من خلال الكتابات والبرامج والندوات.

إن ظاهرة التسول ليست نتيجة عامل واحد، بل هي نتاج عدة عوامل، لذا فإن علاجها والوقاية منها يتطلب أن تعمل هذه الوسائل التي بيناها معا في منظومة متكاملة حتى تحقق النتائج المرجوة منها، مع تنمية الوازع الديني لدى المتسولين وأسرهم ومحاولة إصلاحهم حتى يُصبحوا أعضاء نافعين عاملين في المجتمع.