+ -

يستنتج الكثير من الباحثين في محاولة فهم ملامح الوضع في بلدان المنطقة، أن هناك فوضى فكرية مهيمنة. الباحث نبيل عبد الفتاح في مجلة الديمقراطية (05/02/2015)، عدّد من أجل البرهنة على الفوضى الفكرية ألوان الثقافة المهيمنة والغائبة، السلبية والإيجابية فسرد: ثقافة الأزمة، ثقافة الفقر، ثقافة الدولة، ثقافة المدينة، ثقافة الريف، ثقافة الفساد والاستبداد، ثقافة الغلو الديني، ثقافة الطائفية والقبلية، ثقافة الانحراف الوظيفي في إطار الدولة، ثقافة البيروقراطية، ثقافة حقوق الإنسان، ثقافة الحرية، ثقافة المواطنة، ثقافة التحايل على المعايش، ثقافة رجل الدولة.. الخ.وقياسا واستنتاجا، يمكن القول إن الأنظمة القائمة في هذه المنطقة أوصلت بلداننا إلى هيمنة شبه كاملة لثقافة الفساد والاستبداد، وثقافة التحايل والانحراف الوظيفي، وثقافة الغلو والتطرف. ونضيف لذلك أن هذه الفوضى في المفاهيم والمعاني سوف تتجاوزها التحولات السريعة، قبل أن يتجاوزها الإنسان في هذه المنطقة.إننا لا نقدّر حجم الكارثة التي تعيشها مجتمعاتنا، على المستوى الذهني والعلمي التكنولوجي، والكوارث التي تنتظر هذه المجتمعات، إلا عندما ندرك بعضا من تطور الذكاء في عالم اليوم، وندرك أن جل هذه المفاهيم والمصطلحات، لاسيما منها مصطلحات الدولة والديمقراطية والمواطنة، ستتغير طبيعتها ومعانيها بشكل عميق في زمن قريب.العالم يعيش على أعتاب مرحلة جديدة، مرحلة ستعرف قيام شكل آخر من الدولة، وشكل آخر من العلاقات بين الدول والأمم، ومن العلاقات بين المال والإنسان وبين المال والقانون، وشكل آخر من العلاقات بين المال والتكنولوجيا، بين التكنولوجيا والدول، بين التكنولوجيا والإنسان. فالأنترنت جعل الحدود تتلاشى، وجعل الإنسان يتحرر من بيروقراطية دولته، ليصبح تابعا لقوة أخرى لا حدود لها، تمنحه مساحات هروب افتراضية وتشغل جل وقته، بل وتغير منطقه وعلاقته بالآخرين وتراقبه أيضا.بحوث كثيرة استنتجت أن “الدولة التقليدية” متجهة إلى التحول، والتحول العميق، بل وتحدث بعضها عما بعد الديمقراطية، وإذا كنا قد رأينا الدول القوية والأكثر تطورا، تهلع من عمق سلطة المال وقوتها وتأثيرها على القرار في الدولة، وعلى المستوى الدولي، وطالبت وعملت على استعادة بيروقراطيات الدول لدورها الضبطي، ودورها الرقابي على كل الأسواق، ومع ذلك مازالت تعاني من قوة تحالفات المال والمصالح الضخمة، بل إن التكنولوجيات الحديثة جدا، تتحالف مع هؤلاء، وتعلن عداءها للدولة، وتطالب وتعمل على إيجاد آليات ضبط، وإدارة جديدة تفلت من الدول، هذا العالم لا يبدو أن لدول التخلف والجهل والفساد والرداءة، التي لم تتمكن حتى من بناء “الدولة التقليدية”، مكانا أو دورا فيه.عندما نتذكر ما قاله عالم المستقبليات الأمريكي”ألفين توفلير”، في تسعينيات القرن الماضي، خاصة استنتاجه بأن السلطة ستكون في القرن الواحد والعشرين لتحالف المال والمعرفة، ونرى اليوم أن شركات تكنولوجيات المعلومات هي أكبر شركات الدنيا، وأنها تفوقت على شركات البترول، وحتى على صناع السلاح وتجاره، فإننا ندرك أن هذا التحالف ليس هناك ما يقف في وجهه اليوم. لكن إذا لم تتمكن دول الديمقراطية والمؤسسات القوية والذكية، من القضاء على الفساد وعلى التهرب الضريبي، وعلى استغلال الإنسان للإنسان، ولم تتمكن من إيجاد آليات تمكن من توزيع أكثر عدلا للثروة، فمعنى ذلك أن دول التخلف، دول تحالف السلطة مع المال والفساد ومع الجهل والرداءة والعنف، كل أشكال العنف، الرسمي وغير الرسمي، ستفشل حتما بل قد تكون مقبلة، في معطيات العالم الحالية، على الانهيار بشكل أو آخر.لنتمعن فقط حجم الأموال التي سوف تضيع من الدول المصدرة للمحروقات، وكيف أن الكثير من هذه الدول على الرغم من عائدات كانت تظهر ضخمة، لم تتمكن من كسر تحالف الفساد الداخلي والخارجي تحالف الجهل والعنف، فكيف وهي تعيش شح العائدات؟لهذا، فإن المرض عميق، وهو ليس في حاجة لإصلاح فقط، بل في حاجة لثورات جذرية متتالية، تبدأ من كسر تحالف الفساد والجهل والعنف ونشر الثقافة الحقيقية، ثقافة الحرية والتحرر، ثقافة الدولة وسيادة القانون.إننا نغرق، كما هو الحال في الجزائر وفي بلدان عربية كثيرة، في مستنقع آسن. فالثقافة المهيمنة هي ثقافة الأزمة، ثقافة الفقر، ثقافة الفساد والاستبداد، ثقافة الغلو الديني، ثقافة الطائفية والقبلية، ثقافة الانحراف الوظيفي، ثقافة البيروقراطية. المرض عميق، لهذا علينا أن نبدأ سريعا في ثورة واعية وإلا فإن الانهيار وحتى الاندثار لزمن طويل هو مآلنا[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: