+ -

 تروي الجدات أنه في سالف العصر، كانت الحيوانات تتكلم بلسان ناطق وتتعامل مع البشر بالمنطق والعقل، وفيها  قصص كثيرة من تراثنا الأمازيغي والعربي أو حتى العالمي، كما جاء في كتاب “ألف ليلة وليلة”، تتحدث عن الحمار، ولا أقول “أكرمكم الله”، لأن هذا الحيوان بالذات، يجب أن نقيم له في الجزائر تمثالا يتوسط العاصمة، بالقرب من البريد المركزي، ليراه كل من يدخل الجزائر، هذا الحيوان الوديع الذي كتب عنه يوما أحمد مطر في قصيدة بعنوان “إهانة” فيقول “رأت الدول الكبرى.. تبديل الأدوار.. فأقرت إعفاء الوالي.. واقترحت تعيين حمار! ولدى توقيع الإقرار.. نهقت كل حمير الدنيا لا نرفض أن نتعب، أو أن نُركب، أو أن نُضرب، أو حتى نُصلب، لكن نرفض في إصرار، أن نغدو خدماً لاستعمار، إن حموريتنا تأبى، أن يلحقنا هذا العار!”. هذا الحيوان وهو “الحمار الجزائري” شارك في ثورة التحرير المباركة، فحمل السلاح من الحدود إلى الحدود، والمؤونة والدواء للمجاهدين في الجبل، وحمل الرسائل والمستلزمات، كما سال على ظهور أجداده الدم الطاهر للشهداء والجرحى من المجاهدين، وكان رفيق المجاهد أين ما ذهب.. هذا الحمار اليوم يعاني وقد دنس البشر تاريخ أجداده، فلم يسلم من أيدي الفساد الذي طال كل شيء حتى الحمير، فتم تحريف مساره النضالي، كما حُرّف كل شيء في الجزائر، وأصبح الحمار جزءا من عملية انتهاك الاقتصاد الجزائري، بل وتخريب المجتمع وما خفي كان أعظم. إن الحمار الذي شارك في الثورة وفعل ما فعل، أصبح أداة لتهريب الوقود على الحدود وسلع كثيرة ندفع ثمنها بالعملة الصعبة، ويهربها ذاهبا وراجعا يعرف الطريق جيدا، كما عرف مسالكها في الثورة التحريرية.. بل أخطر من ذلك الحمار الذي نقل الرسائل والأسلحة والقنابل في القصبة وكان أداة لتنظيفها أيضا من كل القاذورات، أصبح ينقل المخدرات التي تنخر جسد الشباب الجزائري، خاصة في الناحية الغربية، وأنجبت لنا جيلا مخدرا، فاقدا لكل إرادة، بل والأمر والأدهى أن هذا الحمار أصبحت له مافيا تتاجر به حسب الحاجة. ماذا لو تم إعطاء القدرة على الكلام لتلك الحمير وسألناها عن رأيها في هذا الاستغلال، لرفضت وانتفضت، الأكيد أنها ستقول بئسا لكم كأمة، لطختم تاريخها المشرق وسودتم نضال أجدادها المشرف، ستلعننا كبشر، بل وأخاف يومها أن تثور الحمير ضدنا، على وضعها، وتدنيس تاريخ أجدادها، وانحراف مسار نضالها وستكتب الصحافة وربما منهم أنا، عن هذا الحراك الحميري، فترتفع عندها النخوة “الحمورية”، وتعلنها ثورة الحمير، بينما نبقى ننقل أخبار صحوتها ونضرب بها المثل على شجاعتها ونقارن أنفسنا بها، يومها سنفعل كما فعلنا دائما، سنعد خسائرنا وخيباتنا، وعندما يضيق بنا الأفق، نتذكر تاريخنا المشترك مع الحمير، وشجاعة أجدادنا وثورتنا المجيدة.تذكرت هذا القول عند قراءة خبر عن حملة أطلقها “الحركى” لجمع التوقيعات من أجل الاعتراف بهم وأيضا من أجل إمكانية زيارتهم للجزائر، والأكيد أن تنامي الطلب بعودة الحركى والأقدام السوداء للجزائر ليس من فراغ. إن ما يحدث اليوم من فساد تطالعنا به الصحف والتقارير والمواقع يوقظ الميت من قبره ويعيد النطق للجماد والحيوان، لكن بالأخص الحركى الذين أحسوا أنهم ليسوا الوحيدين الذين خانوا الجزائر، وإن ما يحدث وحدث بعد الاستقلال من انحراف، سيجعل من جرم الخيانة والعمالة للاستعمار أمرا هيّنا، لأن ما يحدث اليوم من فساد وإفساد في الجزائر، لا  تقل خطورته على الجزائر كبلد وسيادة دولة ووحدة ترابية عن الخيانة والعمالة للعدو.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: