+ -

 نزل خبر أو إشاعة وفاة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فتسابقت وسائل الإعلام العمومية إلى تكذيبه ولجأت الدوائر المحيطة بالرئيس مرة أخرى إلى تنظيم استقبال لإحدى الشخصيات، وبث فيديو الاستقبال، في محاولة لطمأنة الشعب، وإن كان الشعب هو آخر من يفكرون به، أو لإسكات الخارج، وهذا الأهم، وطمأنة من يدعمون الرئيس على مصالحهم.. لم تعرف الجزائر منذ الاستقلال، نظاما يخاف من موت رئيس مثل هذا النظام المريض أكثر من الرئيس، والذي بدأت تبرز أورامه السرطانية في كل مكان. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذه الحالة، هل محيط الرئيس متيقن أنه لن يموت، واسمه مكتوب ضمن أسماء الخالدين والمخلدين على الأرض؟ أليس له أجل مثل كل البشر دون مرض، فالموت يخطف الشاب المعافى كما يخطف المريض.. كم يذكرني هذا بمقولة عادل إمام في مسرحية الزعيم “هو الرئيس أطال الله بقاءه مات؟”.  لمَ نختزل خوفنا على الجزائر في خبر موت الرئيس، الذي لو كانت الدولة قائمة بكل أجهزتها، يصبح لحظة للحزن عليه من كل الشعب الجزائري، بما أنه، كما يقول هؤلاء الخائفون، رئيس الشعب الجزائري الذي اختاره لأربع عهدات، وليس رئيس من يستفيدون من بقائه.. فلمَ يحدث خبر أو إشاعة موته كل هذا الارتباك والتخبط ومن المفروض أن يكون خبرا عاديا، تتداوله وسائل الإعلام مثل خبر وفاة أي شخصية في العالم ويحضّر لرحيله بكل احترام  وفق بروتوكولات الدولة، كما في كل الدول المحترمة. لكن وللأسف أصبح خبر وفاة الرئيس فيلما هيتشكوكيا مرعبا، بعد أن غابت الدولة كمفهوم وككيان وكمؤسسات واختزلها في شخصه وفي مصالح من يحيطون به، فالدولة ماتت قبل أن يموت الرئيس، أو على الأقل هي تلفظ أنفاسها المتبقية في محاولة لمقاومة هذا الموت المبرمج.أن يطالب أعوان الأمن بالأمن، هو عنوان واسع وضمني وخطير على أن الدولة تنهار وأجهزة الدولة تعاني من اللادولة، وأن علينا أن نعيد القطار إلى السكة، فالانحراف هذه المرة متجه نحو الهاوية، فما قام به أعوان الأمن في غرداية ينذر بالخطر، وبأن الكأس قد تفيض في أي لحظة. قد يقول قائل إن الإعلام يهوّل الأمور، وأصارح كل من يقرأ هذا المقال، إنه أفضل أن نهوّل الأمور (إن كان هذا أصلا حقيقة) ليستعد الجميع لما هو أخطر، بدل أن ينام الجميع في العسل المغشوش، ليستيقظوا على جحيم سبق أن حذر منه جميع من يدرك حجم الصراع في الجزائر والخلاف والاختلاف، وحجم الجزائر في دائرة الصراع الدولي القائم حاليا.إن إضعاف بعض أجهزة الدولة وتفكيك بعضها من الداخل، وملاحقة المعارضة ومساومتها والتضييق على الإعلام، لا يمكن أن يؤدي إلا إلى انهيار الدولة، لأن الخيمة وحدها هي التي تقوم على عمود واحد، كلما جاءت الريح والزوابع حملتها وبات الجميع في العراء، بينما البيت الصلب، ذلك الذي يُشيّد على أعمدة متعددة وأساس قوي، يضمن بقاءه ومواجهاته لكل الاحتمالات والعواصف، والاستهزاء بالوضع الذي كان غير مرئي وأصبح مرئيا، سيجعلنا ليس فقط في مواجهة عواصف هوجاء، بل تسونامي لا حول لنا أمامه ولا قوة إلا بالله، يجرف كل شيء في طريقه، من بنى ومن هدّم على السواء. أعتقد أن الجزائر فوق الجميع بمن فيهم الرئيس، وأن على الذين يحمون الرئيس من الدولة، وأجهزة الدولة، أن يفكروا في حماية الدولة أولا، لأنه يزول الرجال وقد نأسف على رحيلهم مهما بلغت درجة خلافنا واختلافنا معهم، لكن لا تزول الدولة، لأن زوالها لن يترك لنا الوقت بعدها حتى لنتأسف عما فعلته أيدينا بمستقبل أبنائنا وبتضحيات ملايين الجزائريين من أجل أن ترى هذه الدولة النور، بعد قرون من صراع التواجد والوجود.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: