+ -

 ليس هناك مصطلحات ترددت خلال الفترة الأخيرة مثل الأزمة والدولة والسلطة والتغيير والتوافق. وفي الخلاصة أرى أن الأمر متصل بـ«انتقال” حتمي من مرحلة إلى مرحلة. من مرحلة “دولة ما بعد الكولونيالية” إلى مرحلة استكمال “بناء الدولة الوطنية الأولى”، وليس “الجمهورية الثانية” كما نقول أحيانا كثيرة!إن مواصفات الدولة ما بعد الكولونيالية كانت: سلطة قوية ودولة ضعيفة، سلطة مطلقة وشعبا مقيدا، أجهزة مهيمنة ومؤسسات شكلية، مؤسسات تعكس حسابات السلطة وصراعات العصب السياسية أو السياسية المالية فيها ولا تعكس مصالح الناس وتدافعها ولا تمثل لا أغلبية ولا حتى أقلية. هذه الدولة كانت فاشلة، حتى عندما صدقت النوايا، فما بالك وقد صارت المصلحة هي محرك عصب السلطة وأغلب من يتولونها. ولهذا لا بد من العمل بعكسها تماما، أي أن نجعلها: دولة قوية بسلطة مقيدة بالقانون ومؤسسات ممثلة للناس ومصالحهم وقناعاتهم بديمقراطية ومؤسسات تتحكم في الأجهزة وليس العكس. وعندما نعود لبيان أول نوفمبر نتذكر بالخصوص أنه حدد أحد أهداف الثورة الأساسية في “.. إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية..”. وإذا عدنا لمحاولة تبين هوية هذه الدولة، فإن أخذ الجملة كلمة كلمة يُمكّن من تبين ملامح هذه الهوية. فهي ديمقراطية، أي تضمن للمواطنين أن يكونوا الطرف الأساسي في معادلة الحكم، واجتماعية، أي في خدمة المجتمع وفي عدالة توزيع ثروته، وهي بالخصوص ذات سيادة، ولا سيادة من دون استقلال القرار، وهي لا تخرج عن المبادئ الإسلامية. الذي غاب ويغيب هو الديمقراطية والذي يغيب اليوم هو الاجتماعية، بما يعني دولة في خدمة المجتمع وليس مصالح وفي خدمة المواطن وليس في خدمة أصحاب النفوذ والسلطة، والذي يغيب هو السيادة الشعبية بل السيادة معرضة للتأثير الخارجي في قراراتها. ولكن ينبغي أن ننتبه أن المشكلة الأكبر ليست البحث عن “الدولة المثالية”، المشكلة أنه لم يتم التوقف عند المسألة بالنقاش والحوار وبالعمل المعرفي والفكري، ولا ترى السلطة، حتى اليوم، ضرورة لذلك لأنها تعتبر أن المسألة تعود للسلطة فقط، ولا دور للجزائريين فيها ولا دور حتى للنخب في إبداء الرأي في ملامح هذه الدولة ومواصفاتها. ذلك الوضع جعل الدولة، ما بعد الكولونيالية، يتداخل فيها النظام والسلطة وحتى الحكومة.  وهي مرة دولة “الاختيار الاشتراكي الذي لا رجعة فيه” وهي بعد ذلك “الدولة الجمهورية التي لا رجعة فيها”، ولم تكن يوما ولم تعرف أنها الدولة الوطنية ولا دولة المواطنين، ولا دولة الحرية والديمقراطية. وهي عند الإسلاميين “الدولة الإسلامية” وعند التغريبيين، خاصة من اللائكيين “الدولة غير الثيوقراطية والدولة المدنية”.وعندما نعود للفكر والمعرفة التي أطّرت قيام الدولة الحديثة، نجد أن الدولة مجال فوق “التدافع الإيديولوجي”، لأن التدافع والصراع من مجال النظام السياسي في الدولة ومن مجال آليات اتخاذ القرار، بشكل ديمقراطي أو بشكل انفرادي تسلطي. فالديمقراطية وسيلة لتنظيم تدافع المصالح والقناعات ووسيلة تحكيم بينها.الدولة كيان فوق النظام وفوق السلطة والحكومة، لأن هذه الأخيرة “أدوات” توضع لإدارة شؤون الدولة، وهي تأخذ هويتها من شعبها ومن رقعتها الجغرافية ومن تاريخ شعبها وثقافته ومعتقداته. المرحلة اليوم، على تعقيداتها، هي مرحلة الانتقال إلى دولة أخرى تحدث قطيعة عميقة مع الدولة ما بعد الكولونيالية، لأنها ينبغي أن تكون ذات سيادة، ولكي تكون فلابد أن تعود فيها السيادة للجزائريين وليس لأي جهاز أو أي هيئة، رئاسة أو قيادة مخابرات أو قيادة جيش، وأن تمثل فيها المؤسسات الناس وليس السلطة فقط. ولا ينبغي أن تجعلنا السياسة نتيه في جدالات عقيمة، فالأمر واضح. أولا لا بد من التغيير ومن الانتقال. فالوضع الذي أوصلت السلطة إليه المشروع الوطني، مشروع أول نوفمبر، خطير جدا، وهو ينم عن إضعاف السيادة الوطنية أو غيابها وعن العجز الكامل للسلطة القائمة عن تقديم أي تصور لاستكمال بناء الدولة الوطنية، بل ووقوفها حجر عثرة في طريقه. لهذا يمكن العودة اليوم لمنهجية نوفمبر على الأقل من زاوية:ـ التوقف عن العمل السياسي التقليدي وخاصة وقف العمل الحزبي، فقد ثبت أن لا جدوى منه.ـ تحديد هدف جماعي واحد هو التغيير وبناء توافق سياسي وطني على بناء الدولة الوطنية الأولى بمواصفات بيان أول نوفمبر. أي “.. الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية..”[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: