+ -

 عاش الشعب الجزائري، أخيرا، حدثا تاريخيا بعد أن أعلنت المؤسسة العسكرية عبر مجلتها، أنها لا تتدخل في السياسة وترفض إقحامها في أي صراع سياسي. إن الجزائري يحس بالفخر والاعتزاز لمثل هذا الموقف الذي ينم عن رؤية عميقة للدور الحقيقي الذي يجب أن تلعبه مؤسسة بحجم المؤسسة العسكرية في الجزائر. لكن الواقع يؤكد أن المؤسسة لم تكن تعيش القحط والبطالة السياسية منذ 1962، فهي صانعة الرؤساء والسياسات، بل إن جل الرؤساء من المؤسسة العسكرية ولم يكونوا مدنيين. ومع ذلك، يجب أن يخرج النقاش اليوم عن مسألة تدخل المؤسسة العسكرية في السياسة أو لا، بل حول القراءة الصحيحة للرسالة التي وردت في مجلة الجيش بعنوان “لا للمغالطات”، والتي لم توجه بأي حال من الأحوال (حسب رأيي الشخصي) إلى الداخل الجزائري، لا إلى الإعلام المحلي، ولا إلى المعارضة التي لا ينظر إليها كالجنود في لعبة الشطرنج، أول من يضحون بهم لحماية الملك.إن المؤسسة العسكرية تتحدث عبر الرّسالة مع الخارج، وبالضبط مع القوى العظمى التي بدأت تلتفت إلى المعارضة، وتصلها تقارير عن تدخل المؤسسة العسكرية في السياسة، ومدى نفوذها وقدرتها على تحديد سياسة الجزائر مستقبلا.يتفق الجميع على أن مهام المؤسسة العسكرية في الظرف الحالي أخطر، وعليها أن تتجاوز قضية الصراع السياسي الدائر في الجزائر، نظرا للظروف المحيطة والتهديدات المحتملة والضغوط الخارجية على الجزائر، مع ما يحدث في ليبيا والساحل، ومحاولة الدول العظمى إيجاد موطئ قدم لها في منطقة شمال إفريقيا. لكن الوضع الداخلي لا يساعد المؤسسة العسكرية على أداء مهامها، مهما أرادت أن تنأى بنفسها عن هذا الوضع المتعفن، فهذه الدول ستجد المنفذ الحقيقي والمبرر الصريح في الداخل الجزائري، لأن أغلب المؤسسات الأخرى التي من المفترض أن تقوم بدورها في تسيير الشأن الداخلي وخلق التوازن، وإشاعة الثقة بين مكونات المجتمع الجزائري، معطلة تقريبا، أو تعاني من أزمات وتعفن وفساد، بعد أن أُضعفت واستُهين بها إلى درجة أنها أصبحت مَسخرة للداخل والخارج، من العدالة إلى ممثلي الشعب، وحتى الأحزاب وغيرها، وهذه القوى تعرف ذلك وتدرك جيدا مدى هشاشة الوضع.وبالتالي إن مهمة المؤسسة (كما جاء في مجلة الجيش) في الحفاظ على “المصلحة العليا للوطن وضمان مستقبله وحماية حدوده وحفظ سيادته الوطنية وتوفير أمنه وتدعيم دفاعه”، تضعها أمام مسؤولية تاريخية أخرى، لما يحدث من نخر للاقتصاد الوطني وفساد حقيقي على كل المستويات. إن الفساد المالي واختلاطه بالسياسة وما يقابله من فساد في العدالة وفساد سياسي واختلال في السلم الأخلاقي، يضع الجزائر رهينة المساومات الدولية التي تدفع ثمنها المؤسسة العسكرية مستقبلا. الفساد نوع خطير من الإرهاب سندفع ثمنه عاجلا أم آجلا، خاصة مع انهيار سعر البترول، وستضطر الجزائر لمواجهة اضطرابات عنيفة يستغلها القريب والبعيد، من أجل المساس بما تدافع عنه أولا وأخيرا المؤسسة العسكرية، الوحدة الوطنية واستقرار البلاد. وهنا نسأل من سيواجه كل هذا الاضطراب، مع هشاشة الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وضعف التركيبة السياسية وتهميش النخب المفكرة والنزيهة والاعتماد على الوجوه المستهلكة والمنبوذة في المجتمع؟ أليست المؤسسة العسكرية التي تعتبر المؤسسة الوحيدة المتماسكة والقادرة على مواجهة أي طارئ؟ إذن، فمنطق الاستشراف يتطلب التفكير في مواجهة الوضع السياسي المتردي والفساد المالي والتهلل الاجتماعي والفراغ الرهيب الذي يطبع الساحة الوطنية، من أجل تجنب انهيارات أخرى. إن أهم عامل جعل المؤسسة العسكرية تصمد في العشرية السوداء، هو التلاحم الذي حدث بين مختلف مكونات المجتمع ضد ظاهرة جديدة على الجزائر، وقف في وجهها الجميع، فكيف يكون الوضع إن سمحنا بتفكك الجبهة الداخلية؟ إن الفساد يضاف إليه الفراغ، هو إرهاب آخر، لا يقل فتكا عن الإرهاب المسلح، سيدي الجنرال[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: