+ -

 لعل المؤشرات التي تدل على الفساد في هذا البلد كثيرة ومتنوعة، وهي لا تحتاج إلى كثير من العناء لإبرازها بشكل واضح، يكفي على سبيل المثال أن تنظر إلى حجم المعاناة التي تعاني منها شوارع المدينة التي تسكن فيها منذ مدة طويلة، إنها لم تسترح بعد من حماقة الترميمات، لأن كل مسؤول يأتي يريد أن يضفي عليها مسحة من عبقريته، ولهذا يحاول أن يتفنن في الفساد قدر ما يملك من الإمكانات حتى يكافأ على إنجازه الرائع.طريقة التعرف على عبقرية الفساد في بلدنا لم تعد معادلة يصعب على الذهن المنطقي حلها، لقد أصبحت مسألة واضحة بالنظر إلى هذه الإنجازات التي تظهر عيوبها بمجرد تسليمها لأصحابها، ولا أحد من هؤلاء العباقرة وجدناه قد امتعض من هذه الظاهرة باتخاذ أي إجراء من الإجراءات القانونية، لأنه لا يريد أن يشغل نفسه بهذه القضايا التافهة بعد أن أخذ حصته من هذه الصفقة التي باتت تهمه أكثر من هذا الوطن في حد ذاته.لم يأت هؤلاء المفسدون من بلد آخر، إنهم عجينة هذا الوطن، وهم يحبونه مثلك تماما أو أكثر منك، ولكن حبهم له من طراز آخر، إنهم يحبون أعياده ومناسباته وصفقاته ومشاريعه، أما إذا تعلق الأمر بالوطنية والقيم والمبادئ، فإنه يمكنك أن تستمتع بها وحدك كما شئت، فهم لا يريدون أن يزاحموك عليها  مادمت تمارسها مجانا، بل إنهم يشجعونك على هذا الحب الجميل، لأنه من حبك الساذج يستمدون وجودهم وشرعية بقائهم.أغلب الظن أن نظرية الفساد في بلدنا اخترعها أصحاب “الشكارة”، وهم يعملون على تحقيق مصالحهم بكل الوسائل، وهؤلاء ليسوا من الجماعات الضاغطة التي تضم مجموعة من الناس تجمعهم مصالح معينة تحاول أن تمارس تأثيرها أو ضغطها على الرأي العام والسياسة العامة، ولكنها لا تهدف إلى تحقيق أرباح تجارية أو الاستيلاء على السلطة، كما هو الشأن بالنسبة للشركات التجارية أو الأحزاب السياسية المعارضة، وهي غالبا ما تتشكل من فئات معينة من الشعب، تنضوي تحت جمعيات تملك مصالح متقاربة تدافع عنها، وتحل مشاكلها كجماعات وأفراد.إن جماعة الفساد التي ظهرت في بلدنا لم نرها تنشط في إطار جمعيات دينية أو ثقافية أو جمعيات حقوق الإنسان وحماية الطفولة، ولكن من قال لك بأنها لم تنخرط في الجمعيات الدينية والثقافية والحقوقية؟ ألم تنخرط في جماعات الأشرار والمخدرات وتهريب الأموال وتخريب الطرقات وتعطيل المشاريع؟ ربما تكون بهذه الإنجازات أكثر منك وطنية! لا تستغرب من ذلك، لقد اختلط الحابل بالنابل، ولم نعد قادرين على أن نميز الطيب من الخبيث في وطن أصبح فيه الفساد لغزا.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات