38serv

+ -

 قمت بزيارة دولة إلى الجزائر منذ أزيد من سنتين بقليل، وكانت هذه الزيارة إلى الجزائر الأولى من نوعها خارج القارة الأوروبية تلبية لدعوة الرئيس بوتفليقة، حينها كانت الجزائر تحتفلبالذكرى الخمسين لاستقلالها واغتنمت تلك الفرصة التاريخية للدعوة إلى تصالح الذاكرات بين بلدينا، كما اعترفت أمام غرفتي البرلمان المجتمعتين بالويلات التي تكبّدها الشعب الجزائري على يد النظام الاستعماري.لقد كان هذا الفعل السياسي ضروريا، فالحقيقة هي القاعدة التي تبنى عليها الصداقة، لذلك وجبت مواجهة هذه الحقيقة، وهذا الفعل السياسي الذي انتظره الشعب الجزائري مدة طويلة الذي كانت فرنسا تدين له بذلك ولنفسها أيضا. عمل الذاكرة لا يكتمل أبدا وعلى المؤرخين ومواطني بلدينا مواصلته، وهذا جوهري إن أردنا بناء مستقبل مشترك.أنا أقدّر، عشية زيارتي الثانية إلى الجزائر، مدى التقدم الذي تم إحرازه، فبلدانا تحدوهما نفس الإرادة في إقامة شراكة متساوية بين الطرفين، متجهة نحو التنمية ونحو الشباب. تمنحنا اللجنة الحكومية المشتركة، التي ترأسها رئيسا وزرائنا في الجزائر ثم في باريس، إطارا لتعميق شراكاتنا في جميع المجالات.أنا أولي أهمية بالغة للحوار السياسي بين فرنسا والجزائر، لأن بلدينا يساهمان في استقرار وأمن المنطقة. لقد دفعت الجزائر في تاريخها ضريبة ثقيلة جدا للإرهاب، وكانت فرنسا بجانبها خلال عملية احتجاز الرهائن بعين أمناس وبرهنت الجزائر على دعمها حينما استُهدفت فرنسا في هجمات باريس في جانفي الماضي. أود في هذا المقام أن أعبر عن امتناني للسلطات والشعب الجزائري لتضامنهم، فقد وقف بلدانا جنبا إلى جنب خلال مسيرة 11 جانفي ثم في تونس بعد هجمات باردو.لقد تحملت فرنسا في 2013 مسؤولياتها بطلب من السلطات المالية لوقف تقدم المجموعات الإرهابية، ومنذ ذلك الحين لعبت الجزائر دورا رئيسيا في ترجمة هذا النجاح سياسيا من خلال التوقيع، في ماي الماضي، على اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة في مالي. أحيي أيضا مساعي السلطات الجزائرية لإيجاد حل سياسي في ليبيا. الجزائر وفرنسا مرتبطتان جغرافيا عبر البحر المتوسط، هذا البحر المشترك يشهد اليوم مآسي سببها كافة أنواع التجارة غير الشرعية وأولها التجارة بالبشر. فرنسا والجزائر مدعوتان لتضافر قواهما لوضع حد لهذا الاستغلال وهذه الجرائم، ولكن علينا أيضا أن نحمل معا مشاريع تنمية.كنت قبل سنتين قد عبرت عن رغبتي في تعزيز التعاون الفرنسي الجزائري، وهو اليوم في حراك، أدركت ذلك في مدينة مرسيليا حيث شاركت في منتدى “ميدكوب 21” تحضيرا لمؤتمر المناخ الذي سيعقد في باريس في ديسمبر المقبل، وكانت فرصة لتقدم لي العديد من الاستثمارات من ضفتي البحر المتوسط.ستكون زيارتي إلى الجزائر فرصة لترجمتها بصورة ملموسة وتعزيز الشراكة الاقتصادية القائمة بين بلدينا. فبعد إقامة مصنع رونو بوهران وألستوم بعنابة، تتعدد المبادرات. حوالي 7000 مؤسسة فرنسية تصدّر نحو الجزائر. 450 مؤسسة فرنسية متمركزة اليوم في الجزائر وتوظف أكثر من140000 شخص، ترغب هذه الشركات في مرافقة ديناميكية للاقتصاد الجزائري وانفتاحه وتنويعه، وتلتزم على المدى الطويل من خلال الاستثمار والإنتاج محليا وهذا ضروري من أجل فتح آفاق للشباب الجزائري.زرت جامعة تلمسان، قبل سنتين، للتعبير عن إرادتي في تنمية العلاقات الجامعية بين فرنسا والجزائر ونحن نرافق إنشاء العديد من المدارس ومراكز التكوين المهني للسماح للشباب الجزائري باكتساب المهارات وإيجاد مناصب عمل. كما تمت إزالة أهم العقبات التي كانت تعيق بصفة مفرطة تنقل الأشخاص، حيث يزاول حاليا 23000 جزائري دراستهم في فرنسا. ملايين من الجزائريين ومن مزدوجي الجنسية يعيشون على أراضينا وعشرات الآلاف من الفرنسيين يعملون في الجزائر. فرنسا تعرف دينها تجاه المهاجرين الجزائريين الذين ساهموا في تاريخها وفي نموها الاقتصادي. واجبنا أن نكافح معا ضد الهجرة غير الشرعية، ولكن يتعين علينا أيضا أن نسمح لطلبتنا وباحثينا وفنانينا ومستثمرينا ورؤساء مؤسساتنا بالتنقل.لكل هذه الأسباب، تسرني اليوم العودة إلى الجزائر، لا زلت أحتفظ بذكرى الاستقبال الاستثنائي الذي حظيت به والموجه من خلال شخصي ووظيفتي إلى الشعب الفرنسي، وقد التمست في ذلك علامة على وجود رغبة مشتركة لكتابة صفحة جديدة من تاريخنا. لطالما كانت قناعتي راسخة بأننا قادرون على بناء شراكة استثنائية وهو ما سنبرهن عليه اليوم.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: