"النظام فشل في تحقيق التجانس بين الإباضيين والمالكيين"

+ -

 يعتقد الباحث والمختص في علم الاجتماعي السياسي، الدكتور ناصر جابي، أن “أحداث غرداية هي نتاج فشل في تسيير الاختلافات والتنوّع، والنظام لم ينتبه إلى أن المنطقة أمام عدم تجانس اجتماعي وثقافي أعيد إنتاجه”.كيف تقرأون انزلاق الأوضاع في غرداية وحالة الهلع المصاحبة للأحداث؟ أقرأها في سياق مشهد سبق وأن حذرت منه منذ فترة طويلة، وقلت آنذاك للأسف الشديد أن الأوضاع المأساوية مرشحة للاستمرار والتطوّر نحو الأسوأ، لأن النظام فشل في تسيير الاختلافات والتنوع، ورفض الاعتراف بهما ورفضهما، وغرداية مثال عن الفشل في إدارة تلك التحولات التي تعرفها الجزائر.ووقع تناقض في إدارة هذه التحوّلات في غرداية، وتفسيرها كالتالي: الدولة تنجز تحولات في قطاعات النقل والتعليم والصحة والبنية التحية ومشاريعها التنموية، والنظام السياسي يفشل في إدارتها ولم ينتبه إلى أننا (مجتمع) أمام عدم تجانس اجتماعي وثقافي أعيد إنتاجه، نتج عنه سيطرة عدم التجانس على التجانس.فمنذ سنوات قلّ الزواج بين المُكوّنين (الإباضيون والمالكيون)، بعكس الشاوية والقبائل، ولاحظنا عدم الاختلاط في الزواج والسكن، وعدم تجانس في النشاط التجاري في المدرسة، فظهر نظامان تعليميان مختلفان، والدولة أضحت قاصرة بحيث لم تبن أحياء جديدة وكبيرة لتشجيع الاختلاط.

هل تفرض الدولة تجانسا شكليا على الجميع أم تحترم الاختلافات؟عدم التجانس معناه أن المُكوّنين ليس لهما نفس العلاقات مع مؤسسات الدولة، والميزابيون يعتقدون أن الدولة تعمل ضدهم، وغرداية كانت منطقة هادئة في ظل ثقافات أخرى وجيل آخر. وكنا نعتقد في سياق صورة تقليدية أن الميزابي لا يتصرّف بعنف إلا نادرا، يعني عاقل، حسب التعبير العامي، ولا يرد على الهجومات، أما الآن ظهر تحوّل جديد لدى الجيل الجديد خصوصا الشباب، الذين يردون ولا يسكتون، وبالتالي ما كان حاصلا في الأجيال القديمة، ليس حاصلا مع الجيل الجديد، الذي يريد الاندماج في الدولة ويكون لهم صوت مسموع.هل يمكن انتقال عدوى أحداث غرادية إلى ولايات أخرى؟ انتقال الوضع في غرادية إلى باقي ولايات الجنوب خصوصا أمر قائم، ومنعه يكمن في إعادة قراءة في التحولات الطارئة في المنطقة من طرف النخب الإعلامية والسياسية، عبر اقتراح طرق تسيير أخرى، والتخلي عن اللجوء إلى الأعيان، فمن قال بأن كلمتهم أضحت مسموعة؟ وهل يسمع لهم شباب تخلوا عن فكرة المجتمع التقليدي الذي يُنظر إليه من السلطة المركزية؟”.وهناك عقليات شديدة وطموحات جديدة ظهرت لدى المُكوّنين، فالمالكيون يريدون دخول المدينة بهدف الاندماج والشغل، والميزابيون يريدون الحفاظ على ما يميّزهم من نمط معيشة وعمران. والجنوب تقريبا كان مفصولا عن أحداث العشرية السوداء، والعنف في المجتمع الجزائري ابتذل، وأزمة غرداية طال أمدها وتعفنت، وللأسف السلطة تبتذل مطالب الجزائريين في سكن وقطع أرضية بعيدا عن التحولات، وهذا عجز لنظرة عميقة في الشكل، ومشاكل الجزائريين اختزلت في حلول اقتصادية، وإن كان جانبها الظاهر كذلك، والنتيجة هي أن النظام أصبح خطرا على الدولة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: