+ -

 تبدو الحكومة في حالة ارتباك شديد، وهي تواجه أحد أكبر الاختلالات المالية منذ الاستقلال، بعد أن وصل الفارق بين الواردات والصادرات إلى 8 مليارات كاملة، وكأن الأزمة المنتظرة التي كان يحذر منها الخبراء، قبل سنوات قليلة، لم تكن واردة على الإطلاق في أجندة الحكومة، فاستمرت في تطبيق نفس السياسات غير المتحسبة، إلى أن سقط غطاء البترول فانكشف الواقع بلا مساحيق أمام الجزائريين.يوحي سلوك الوزير الأول وباقي أعضاء الحكومة بأن أول “مصدوم” من انهيار أسعار البترول وتراجع المداخيل بالشكل الدراماتيكي الذي نعيشه هم وزراء الحكومة ذاتهم، سواء من خلال تصريحاتهم الإعلامية التي تحاول إعطاء الأزمة بعدا دوليا يتجاوز الجزائر ويجعلها في النهاية مجرد ضحية لمناورات دولية أكبر منها، أو عبر سياساتهم المعتمدة لمواجهة الأزمة، والتي هي في المجمل قرارات ظرفية تشبه “ردود فعل” أكثر منها سياسات كانت موضوعة للتعامل مع الظروف الطارئة.وهذه الحالة من “التيهان” تجد لها جذورا في رئاسيات العام الماضي وما سبقها من عهدات، فالرئيس المترشح لم يقدم فيها أي رؤية لمستقبل الجزائر تراعي حدوث صدمة بترولية تؤثر على وضع الجزائر المالي، فجاء البرنامج مبالغا فيه من حيث الوعود التي احتواها واستمرار الإنفاق في المشاريع الخماسية التي يتم تمويلها حصريا من المداخيل البترولية دون أي محاولة لابتكار أساليب أخرى جلب رؤوس الأموال لتمويلها.والآن بعد أن دقت ساعة الحقيقة، فتقلصت مداخيل الجزائر إلى النصف ولم يعد مخزونها من العملة الصعبة يكفي لأكثر من سنتين، وعاد من جديد شبح المديونية الخارجية يطارد الجزائريين، لم تجد الحكومة الفاقدة لأي ميكانيزمات تمكنها من التعامل مع هذه الظروف، من وسيلة للمواجهة سوى اعتماد “قرارات إدارية” تحاول “تأجيل” الانهيار المتوقع، لكنها يستحيل أن تمنع حدوثه في حال استمرار سقوط أسعار البترول.وأكبر مثال على ذلك، كانت محاولات الحكومة اليائسة للحد من الاستيراد، من خلال اعتماد ما يسمى “رخص الاستيراد” والعرقلة الإدارية في استيراد بعض المواد، وهي كلها قرارات لا يمكن أن تكون إلا ظرفية، فتوفير مليار دولار بزرع عراقيل إدارية لاستيراد السيارات لا يمكن أن يكون ناجعا ما دام الإنتاج الوطني لا يسد الحاجة، ولا يمكن أيضا التباهي بتقليص فاتورة استيراد الدواء بـ15 بالمائة (نصف مليار دولار) إذا كان المقابل ندرة هذه المادة الحيوية في الأسواق.أما أخطر القرارات المتخذة، والتي تنعكس مباشرة على جيب المواطن البسيط، فهو العبث بقيمة الدينار وخفض قيمته من أجل الحد من الاستهلاك، وبالتالي الاقتصاد في فاتورة الاستيراد، وهو ما انعكس على الأسعار التي تعرف ارتفاعا جنونيا يهدد بإيصال مستوى التضخم إلى 10 بالمائة كما يقول الخبراء، وكأن وزير المالية الذي لا يزال يمني الجزائريين بنسبة نمو قوية، سيتحقق له ذلك “الإنجاز” في مستوى التضخم!ومع اشتداد الضائقة المالية، لن تتحرج حكومة الأمر الواقع من التخلص من أكبر الطابوهات في البلاد، كرفع أسعار الدعم وتحميل المواطن الكلفة الكاملة للأزمة، وسيتحول حينها حديث الوزير الأول عبد المالك سلال من أن الجزائريين لن يعودوا إلى الفقر مجرد “أمنيات” مسؤولين عجزوا عن إيجاد الحلول و”تلاعبوا” بعواطف الجزائريين.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: