هذا هو الوجع الفلسطيني .. رهف في غزة وأحمد في رام الله

38serv

+ -

يناديها أن “استفيقي يا جميلتي، أرجوكِ، كفى رحيل أمكِ، حتى في الموت تحبيها أكثر مني! يا أبتي سنتركك تصب أدعيتك على الظالمين حتى يقصمهم الله!”.. يحيى حسان أدمى قلوب كل من شاهد صورته وهو يحتضن بأسى شديد طفلته “رهف” مجبرا على وداعها شهيدة، وهي التي لم تتجاوز 3 أعوام، جراء قصف إسرائيلي استهدف محيط منزله في جنوب غزة يوم الأحد الماضي. غلبت الفاجعة الأب المكلوم وهو يخاطب ابنته “أصحي يابا.. أصحي يابا” دون أن يتلقى استجابة من طفلته، بينما كانت تتمدد ببراءة بالغة استعدادا للرحيل الأخير عن حضنه، وقضت الطفلة رهف مع والدتها نور (35 عامًا) التي استشهدت وهي حامل في الشهر الخامس، بعد أن انهار منزلهم غير المقام بالإسمنت والمكوّن من طابق واحد فوق رؤوسهم في عتمة الليل. وحظيت الصورة بانتشار هائل في الصفحات المحلية لمواقع التواصل الاجتماعي، معيدة إلى الأذهان مشاهد قائمة طويلة من ضحايا القتل الإسرائيلي بحق الأطفال والنساء.وفي تفاصيل الوجع والوداع، لاحظ سكان في المنطقة انفجارا هائلا في محيط منزل حسان، لكن ما كشفته اللحظات اللاحقة لهم وما حلّ بالعائلة كان حدثا صادما، وتم انتشال يحيى وطفله محمد من تحت أنقاض منزلهم المدمر بحسب ما روى أقاربه. وأصيب الأب يحيى بشظايا متفرقة بالجسم وكسور بالقدمين، وأصيب طفله محمد (5 أعوام) بشظايا متفرقة بالجسم. كما أصيب ثلاثة آخرون هم أبناء عم يحيى ويقطنون بالقرب من منزله بشظايا متفرقة في الجسم.واحتاج الأب المكلوم لكثير من الوقت وهو بالكاد يستعيد أنفاسه ويصف لـ “الخبر” ما شعر به لحظة القصف الإسرائيلي بالنيزك الذي حول المنطقة لحفرة كبيرة. ويروي الأب المكلوم أن منطقتهم معروفة بوجود عدد من البيوت السكنية بجوار الموقع المستهدف، “إلا أن الاحتلال لا يفرق بين المدنيين والعسكريين، وهذا المعهود عليه في جميع مواجهاته مع الفلسطينيين”.ويعمل حسان مزارعًا في أرضه، وتزوج منذ نحو ستة أعوام وأنجب طفلين وكان بانتظار ثالثهما، قبل أن يقضي مع والدته حتى قبل أن يرى النور. وتساءل الفلسطيني بنبرات متقطعة يغلبها الحزن والصدمة “لماذا قتلوا زوجتي وابنتي، هل هذه هي أهدافهم التي يتحدثون عنها، إنها جريمة يجب أن يعاقب الاحتلال عليها.. دماء زوجتي وابنتي ستكون وقودا لثورة الشعب في وجه الاحتلال الإسرائيلي، ولن يخمدها أحد مهما كان، حتى تتحرر أرضنا من ظلمه وانتهاكه للمقدسات والحرائر في القدس المحتلة”.والمفارقة أن الاحتلال استهدف منزل الأب المكلوم المكون من 3 طوابق في منطقة المغراقة وسط قطاع غزة خلال عدوانه الأخير صيف العام الماضي. ودفعه ذلك إلى إقامة منزل بسيط في أرضه الزراعية في حي الزيتون جنوب مدينة غزة، ليحل ما أصابه بفعل غارة إسرائيلية استهدفت موقع تدريب للمقاومة مجاور له.ولا تزال العيون تدمع..هنا حكاية ألم أخرى قصتها من رام الله المحتلة.. يغلب الحزن والصدمة عائلة الطفل أحمد شراكة الذي مضى شهيدا برصاص جيش الاحتلال، منضما لقافلة شهداء انتفاضة القدس، تاركا خلفه كثيرا من الذكريات وتطلعات مستقبل حالم اغتيلت برصاصة قاتلة.ولم يكن الطفل، ابن الثلاثة عشر عاما من مخيم الجلزون للاجئين الفلسطينيين قرب رام الله، يعرف الهدوء، فقد كان كثير الحركةوالتنقل، ويشارك بقوة وعنفوان في المسيرات والمظاهرات المناوئة للاحتلال. واستشهد أحمد يوم الأحد الماضي في مواجهات اندلعت على مدخل مدينة رام الله، إثر إصابته برصاص حي في الرقبة أطلقها جندي إسرائيلي، بحسب مصدر طبي فلسطيني.ولم يكن والد الطفل الشهيد عبد الله شراكة، ذو 43 عاما من مخيم الجلزون شمال رام الله الذي يعاني من مرض في الدم ولا يقوى على العمل، يعلم بأنه على موعد مع فاجعة جديدة طرقت مسامعه بإصابة بالغة لأبنه أحمد.واستل الأب سيف العزيمة من وسط المواجع التي اجتمعت على أسرته المكونة من ولدين وستة بنات، لحظة الإعلان عن استشهاد أحمد، لكن الحزن ظل يهز كيانه الذي أعياه الألم والمرض. وبحسرة على فقدان ولده، يقول لـ “الخبر” إن “قتل مثل هذا الطفل الذي يمثل أحد طيور الجنة لحظة عودته من المدرسة في طريق المواجهات لم يقدم على فعلتها إلا حاقد ومجرم وفاقد لإنسانيته”.جنود ذئاب..يصف الأب الموجوع المكلوم “جنود الاحتلال ذئاب مجندون لأكل لحوم الأطفال الصغار، إنهم متمرسون على تصفية البراءة.. قتل أحمد ابني أشبه ما يكون بعملية اغتيال قصدها جندي حاقد أطلق الرصاص على رأسه مباشرة”.ومع تعدد أشكال المآسي التي تجتمع على تلك الأسرة، لم يقوَ عدي شقيق الشهيد على الحديث ووصف المشهد، مكتفيا بالقول “أحمد أصيب برأسه وبعدها استشهد في المستشفى”. لكن والده رفض إظهار ضعفه وأبى إلا أن يتعالى على جراحه. وبنبرات متحاملة قال الأب “أفتخر بأحمد كما يفتخر أهالي الشهداء بأبنائهم، وليست المرة الأولى التي نقدم فيها شهداء، فقد استشهد شقيقي خليل مطلع انتفاضة الأقصى تحت التعذيب في سجون الاحتلال دون أن يستسلم”.واستشهد الطفل أحمد شراكة بعد إطلاق جنود الاحتلال النار عليه بصورة مباشرة خلال مواجهات اندلعت على المدخل الشمالي لمدينة البيرة، حيث أصيب بجروح حرجة عقب رصاصة في الرأس سببت له نزيفا على الدماغ، وفارق الحياة في مستشفى رام الله الحكومي.الحسرة..وأخذ إبراهيم عم الشهيد أحمد شراكة يقارن بين رفض المقاومين الفلسطينيين إطلاق النار على الأطفال في عملية “بيت فوريك” قرب نابلس، وامتناعهم عن قتلهم أواخر الشهر الماضي.ويقول إبراهيم لـ “الخبر” “إن قتل الاحتلال لأحمد بهذه الطريقة هو حرق قلوب عائلته وزرع الحسرة في نفوسهم إلى الأبد، والشعب الفلسطيني بكامل قواه وفعالياته افتخر بمنفذي تلك العملية لأنهم تورعوا عن قتل الأطفال”، ليضيف “أطفالنا ولدوا وهم يحملون رسالة السلام والمحبة لكل أطفال العالم، وقام الاحتلال بسفك دمهم لا لشيء سوى لسحب أقدامهم نحو ميادين المواجهة”.ويحمِّل والد الطفل الشهيد الاحتلال مسؤولية توجه الأطفال نحو ميادين المواجهة، مؤكدا بأنهم لن يسكتوا على قتل زملائهم أمام أعينهم بهذه الطريقة، وأنهم سيمضون في طريق المواجهة والتصدي في سنهم هذا أو في شبابهم.والطفلة رهف من غزة والطفل أحمد هما اثنان من ثمانية أطفال استشهدوا من أصل 31 شهيدا، منهم 20 في الضفة الغربية والقدس المحتلة و11 في قطاع غزة، فيما أصيب أكثر من 1500 آخرين بجروح منذ مطلع الشهر الجاري.واندلعت الانتفاضة الثالثة في الضفة الغربية والقدس المحتلتين وقطاع غزة ردا على تصاعد انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق المسجد الأقصى المبارك وباقي المقدسات، إلى جانب جرائم القتل المستمرة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات