+ -

 ذلك هو السؤال الذي يحير المحللين. قد تجد الكثير ممن يجزم هذه الأيام أن نهاية هذه السلطة، وربما ليس النظام كله، صارت قريبة. والكثير يحاول أن يربط هذا الخبر بذاك، وهذا المؤشر بذلك، والكثير يعطي لبعض الأحداث تفسيرات لفك طلاسم هذا النظام وسلطته العاجزة. نعم، راج خبر أن الرئيس اجتمع بالفريقين أحمد ڤايد صالح ومحمد مدين (توفيق)، وقرئ ذلك على أنه بداية السير باتجاه مخرج من الانسداد السياسي القائم. والكثير قرأ عدم المضي في عملية تعديل الدستور وتأجيل تعديل الحكومة الذي كان قاب قوسين، وقرأ “الهوشة” التي قامت بين سعداني وحنون، ومواقف كل من بن صالح وعمار سعداني من مبادرة التوافق الوطني للقوى الاشتراكية، قرئ هذا كله على أنه مؤشرات تؤكد أن الوضع بلغ مبلغا لا معنى له إلا حدوث تحول في أفق قريب. والكثير قرأ استمرار إضراب التربية وتفاقم الأوضاع في عين صالح، وعلى الحدود الشرقية والغربية والجنوبية، وضغوط الخارج من خلال العفو الدولية، ومن خلال تحريك بريطانيا لموضوع أحداث تيڤنتورين، بل وحتى رسالة عدد من الأكاديميين الجزائريين العاملين في الجامعات الفرنسية، التي نشرتها يومية “الوطن” والموجهة إلى الجيش، على أنها كلها عوامل تُسرِّع بدفع الأمور إلى التحول والتحول السريع. أما الروايات والمضاربات فهي لا تعد ولا تحصى، هذا التقى بذاك والرئيس متعب كثيرا وقد يفضل الراحة نفسه، و “البدائل!” هي الأخرى لا تعد ولا تحصى. فالذين يعتبرون أن تغيير شخص بشخص هو التغيير الممكن لا يملون من ترجيح هذا الاسم أو ذاك. من مولود حمروش إلى علي بن فليس وأحمد أويحيى، وصولا إلى عبد المالك سلال أو حتى أسماء أخرى أقل أهمية في الميزان السياسي الراهن.في مكونات الوضع كما تتراءى الآن مجموعة دلالات.أولا: الخطاب السياسي الرسمي لم يعد ينطق بشكل كامل التطابق، فإن لم يتناقض فهو متنوع. وعندما يتحدث الرئيس ولد خليفة بأن تعديل الدستور ليس مبرمجا في الدورة الحالية للبرلمان، مع تأكيده أن التعديل سيمر عبر الغرفتين، وفي اليوم نفسه يعلن الرئيس بن صالح في خطاب رسمي أن تعديل الدستور صار قريبا، وغير ذلك كثير، فإن ذلك قد يعني صعوبة أو اضطرابا عميقا في عملية اتخاذ القرار وآلياته، وقد يعني أن مركز القرار لم يعد يوجه ويوحد الخطاب الرسمي، أو يعني أن البلاد بلا قيادة، وأن “التقديرات” و“الحسابات” خاضعة لاعتبارات محيط كل مسؤول.ثانيا: التغيير الممكن محدود في عمقه وقد يقتصر على الواجهة فقط. لأن إصرار بعض المتحدثين باسم السلطة أو بعض مكوناتها على أن البلاد لا تعيش أزمة، والإصرار على رفض كل المبادرات، يعني أن الانسداد السياسي القائم، بالنسبة للسلطة أو بعض منها، هو مجرد مسألة تقنية سببها مرض الرئيس، وأن حل هذه المسألة “تقني” فقط، مع احتفاظ المصالح المستفيدة من الوضع القائم بمصالحها ونفوذها وربما توسيعه أكثر.ثالثا: التوافق الوطني لا ضرورة له إلا إذا كان صناعة سلطوية، والتدافع في الساحة السياسية بين مجموعتين هما التنسيقية ومبادرة التوافق للقوى الاشتراكية، يمكن أن تنهيه السلطة بإخراج عملية تعديل الدستور في أي لحظة وجعلها طريق التوافق الوحيد الممكن.رابعا: احتمالات حدوث توافق، وأقل من ذلك إجماع، بين الأطراف السياسية القائمة في الساحة على موقف واحد من السلطة ومن منهجية التغيير، مسألة بدت صعبة أو مستحيلة أو في حاجة لقوة دفع أخرى، أو ربما لإزاحة قوة تعطيل قائمة وموضوعة عمدا. في مثل هذا الوضع يبدو من الصعب أن تجد الدعوة إلى التغيير السياسي الذي ينتجه توافق وطني على ملامح دولة أخرى بنظام سياسي آخر مكانا ومكانة لها. عمليا الاختيار بيد السلطة، ولكن السلطة كثيرا ما مارست سياسة الهروب إلى الأمام، وكثيرا ما وظفت عامل الوقت من أجل إجهاد كل المبادرات وإنهاك كل الجهود.ويظل السؤال المحير أمام رفض السلطة التوجه كلية نحو التغيير السلمي التوافقي هو: هل تسقط السلطة أم يسقط النظام أم إنه انحلال الدولة؟ إذا ما قِسْنا على التجارب المحيطة بنا ورأينا ما تجسد من أوضاع أو استراتيجيات، فإن الخوف هو أن تمادي السلطة القائمة في رفض التغيير قد يعني أن بعض المصالح تفضل وتدفع إلى مزيد من الاحتكار أو إلى الانهيار[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: