سـوء الاستقبـال "يلهـب" أعصـاب الجزائرييـن

+ -

قصد شاب ثلاثيني مركز الأمن بوسط العاصمة، ليستفسر عن مخالفة مرورية، تقدّم إلى شباك الاستقبال أين يقف شرطي يقوم بتوجيه المواطنين والرد على تساؤلاتهم، وحين أفصح المواطن عن انشغاله طلب منه العون الجلوس بقاعة الانتظار حتى يناديه، وفيها وجد مواطنون ينتظرون دورهم في جو مشدود عن آخره، وبعد لحظات نهض ليسأل عن مصير انشغاله ورغبته في مقابلة المسؤول، ليرد عليه الشرطي بوجه عبوس ولهجة حازمة، طالبا منه الصبر، وهو ما أثار استياء المواطن وبدأ يحتج على طريقة المعاملة معلنا بداية الخلاف.تطوّر الخلاف إلى احتجاج وتعالت الأصوات، في مشهد روتيني في إداراتنا، وراح كلاهما يتهم الآخر بسوء المعاملة، فالمواطن أرجع سبب احتجاجه وغليانه، إلى سوء الاستقبال الذي أضحى لا يطاق وهاجسا يلازم الناس حيثما حلوا بالإدارات والفضاءات العامة وحتى المتاجر أحيانا، بينما اعتبر الشرطي تصرف المواطن تدخلا في صلاحياته وإلحاحا في غير محله.استدعى الوضع تدخل الأعوان لتهدئة النفوس، لكن إمساك أحد عناصر الأمن المواطن بقوة وتحذيره بفتح ملف قضائي، زاد الوضع احتقانا وجعله أكثر غليانا، دفع المواطن إلى تصعيد لهجته بتحد. في تلك الأثناء، وصل شرطي يرتدي بذلة رسمية مغايرة وعليها نياشين مختلفة، توحي بأنه أعلى رتبة من زملائه، فطلب منهم الانصراف ومن ثم اصطحب المواطن وعون الاستقبال إلى الداخل، وما هي إلا لحظات حتى خرجا الاثنين وعلامات المصالحة بادية على وجهيهما وطلبا الاعتذار من بعضهما، واعتبر كل منهما نفسه بأنه كان على خطأ وتصرّف بعنجهية، وفي الوقت الذي ألح المواطن للدخول ومقابلة المسؤول “تصلّب” عون الأمن ومنعه بداعي أنه ينفذ إملاءات مسؤوليه وهو ما يصنّفه عادة الناس في خانة سوء الاستقبال.الدائرة.. مشاجرات يوميةالدوائر الإدارية، من أكثر الأماكن استقطابا للمواطنين، من أجل استخراج جواز السفر أو البطاقة الرمادية وغيرها من الوثائق الإدارية، وهي الفضاء الذي يعرف أيضا “معارك يومية” بين المواطنين وموظفي الشباك وأعوان الأمن على وجه الخصوص. وهو الحال في مقر الدائرة الإدارية للحراش، التي يقصدها يوميا مئات المواطنين من البلديات المجاورة التي تعرف كثافة سكانية كبيرة.قصدنا البلدية وأخذنا مكانا بين الجالسين، ولم يمض وقت طويلا على ولوجنا المقر، حتى بلغ مسامعنا صراخ قادم من البوابة الرئيسية لعون أمن دخل في ملاسنات كلامية مع أحد المواطنين، الذي احتج على طلب ملف الشباك الذي أكد له أن ملف البطاقة الرمادية ناقصا، وطلب منه استكمال الملف بأسلوب لم يستسغه المواطن الذي راح يصرخ قائلا “لست متسولا في بابك، خاطبني مثلما أخاطبك” ليتدخل عون الأمن الذي طلب منه المغادرة، وكاد الأمر أن يتطور إلى اشتباك بالأيدي لولا تدخل بعض المتواجدين في المكان.تركنا عون الأمن ليهدأ قليلا، وقبل أن نبادره بالحديث، سبقنا إليه شاب كان يجلس بالقرب منه قائلا، “أنت أيضا قمت باستفزازه بطريقة حديثك”، فرد “هذا هو الأسلوب المناسب مع هؤلاء، إذا حاولت أن توضح له أمرا يرجع كل اللوم عليك ويتهمك بالتعسف و”الحڤرة”، الحجر ينطق لو كان يقف في مكاني كل يوم”.البلديات أيضا تتحول يوميا إلى مسرح للمشاداة بين المواطن والمكلفين بالاستقبال والتوجيه بالمداخل أو القائمين على شبابيك الخدمات، وهي حالة مواطن وجدناه يصيح ببلدية باش جراح بالعاصمة احتجاجا على ما وصفه برداءة الخدمة من طرف موظف، واتهمه بأنه تعمّد تجاهل مطلبه، والتظاهر بأنه لم يسمعه وتركه ينتظر مطولا بالشباك، لكن الأخير دافع عن تصرفاته بحجة أنها جاءت كرد فعل عن سلوك المواطن التي جاءت في شكل أوامر وليس طلب خدمة.قصر المعارض..في قصر المعارض بالصنوبر البحري بالعاصمة، وقفنا على صورة أخرى من سوء الاستقبال والإهانة التي يتعرض لها المواطنون في الأماكن العمومية. التاريخ كان موعد افتتاح الصالون الدولي للمرأة، المتزامن وتاريخ 8 مارس، عون الأمن كان يقف أمام البوابة الرئيسية مّجتهم الوجه وهو يخاطب الراغبين في ولوج المكان بسياراتهم بلهجة غاضبة، “أوقف سيارتك هناك وترجّل” ولم يترك لأي أحد فرصة للاستفسار، وحتى الصحفيين الذين قدموا لتغطية الحدث منعهم من الدخول بسياراتهم، بحجة أن الأمر يتطلب تكليفا بمهمة ولا يكفي استظهار بطاقة الصحفي، رغم أن الحدث لم يكن يتطلب ذلك، يحدث هذا في مكان يفترض أنه يستقبل رجال الأعمال من كل الجنسيات.المحلات التجارية ..الزبون ليس ملكالا يختلف الأمر في المحلات التجارية والفضاءات التي يفترض أن يتعامل فيها أصحابها مع الزبائن بليونة، لجذبهم حتى يكونوا زبائن دائمين في المحل، لكن الكثيرين يتعاملون مع زبائنهم وكأنهم طالبي حاجة لديهم وتجد بعضهم يجتهد حتى تخرج من محله ولا تعود.وهو ما كنا شهود عليه في محل بحي بلوزداد الشعبي بالعاصمة، عندما تقدمت سيدة لاقتناء قارورات المياه المعدنية، سألت السيدة عن سعر كيس يحتوي على ست قارورات، فأجابها البائع وراح يحضره لها، قبل أن تطلب السيدة قارورتين فقط، فأخرجهم من الكيس وهو يتمتم ومنحهما لها، وعندما طلبت منه كيسا رد بنبرة غاضبة “ماعندناش الصاشيات”..فعلا الزبون ليس أبدا ملكا في الجزائر.حتى في الفضاء العاملم تكن نسرين تعلم أن السير برفقة كلب أليف بساحة “الصابلات” بالساحل العاصمي، اتخذ وصف الجريمة وعقوبته الإهانة والشتم أمام الملأ، ولم تكن تدري أن ثقافة الاستقبال انعدمت لدى بعض الأعوان المكلفين بالحراسة والأمن بالمرافق العمومية.ركنت نسرين سيارتها بالموقف وأنزلت كلبها صباح يوم سبت معتدل الطقس، وراحت تمارس رياضة المشي، وعندما اقتربت من إحدى العائلات، تفاجأت بعون حراسة يسأل العائلة عنها “هل الفتاة التي تجر الكلب معكم ؟« يجيب رب الأسرة بالنفي، عندها انفجر العون بلوم الفتاة أمام الجميع بطريقة مذلة لجلب الكلب معها وخرق القانون.احتجت الفتاة بشدة على سوء المعاملة وبررت موقفها بغياب إشارة خاصة تمنع إحضار الكلاب، سكت العون برهة ورد بأنه هو الإشارة ومن ثم تمادى في توبيخه وصعّد من لهجته لتأنيبها، وما هي إلا لحظات حتى بدأ في مضايقتها، مما استدعى تدخّل العائلة لفك الخلاف واستغربوا إصرار العون على لوم الفتاة.تابعت نسرين قائلة “اكتشفت أن طريقة معاملة العون لم تكون سوى غطاء لمضايقتي، لأنه غض الطرف على شباب في الجهة المقابلة من الساحة أحضروا كلبا وظلوا يلهون به، دون أن يتجرأ على طردهم أو توجيه ملاحظات وتوبيخهم كما تصرّف معي، وحين واجهته بالأمر رفع صوته عاليا وبدأ يصيح.شجارات أبدية بالمواقفبوجه عبوس يقف كهل بمدخل حظيرة سيارات وسط العاصمة، يدخن سيجارة، ويصوّب نظرة ثاقبة لسائق كان يصر على ركن سيارته بالرغم من وجود لافتة مدون عليها “ممتلئ” .. تقدم الكهل خطوتين وسرت في عروقه “نرفزة”، وانفجر صائحا “ممنوع وخلاص غلقنا ولا نستقبل أحدا”، ليرد السائق بعنف أيضا معلنا بداية الشجار..  استهجن صاحب السيارة طريقة المعاملة وبدأ يحتج ويقذف الكهل بعبارات اللوم، كانت وقودا لتشعل بينهم ملاسنات .. تطورت فجأة إلى مناوشات وعراك بالأيدي، استدعى تدخل مواطنين لتفرقتهما، وما هي إلا لحظات حتى عادا إلى رشدهما وأدركا أنهما أقدما على سلوك “غير حضاري”، فبادر حارس الحظيرة إلى السائق لتلطيف الجو والاعتذار على طريقة المعاملة وتبرير سلوكه بأن لديه مشاكل عائلية جعلته لا يتحكم في تصرفاته إزاء الآخرين.في المحطات فقطغادرنا المكان باتجاه محطة أول ماي، تصطف الحافلات المتوجهة إلى الضاحية الشرقية للعاصمة، أين ركبنا حافلة متجهة إلى الرويبة أراد صاحبها “تكديس” الركاب لينال ما ملكت يداه من الأموال .. هنا تعالت أصوات مواطنين مطالبة بضرورة الانطلاق.بصمت مطبق ووجه متجهم واجه السائق مطلب الركاب بالانطلاق، مما أفرز حالة احتقان واستياء تلتها تعليقات استفزّت القابض ودفعته للتدخل ليس بتهدئة النفوس واحتواء الوضع بمرونة وكلمات مأدبة، وإنما شرع في لوم الركاب وطلب منهم الصبر بأسلوب خشن، ونزل من الحافلة لتجنب ردود الأفعال وإطالة “عمر” الانتظار، فأمطره أحدهم بتعاليق  “غريب أمرك لماذا يحدث هذا سوى بالجزائر .. تسلّطتم علينا كقضاء وقدر .. سئمنا ركوب الحافلات لكننا مرغمون” وهو التعليق الذي فجّر مواجهة مع القابض انتهت باستسلام الأخير أمام تضامن الركاب، وانطلقوا نحو مقصدهم في جو مشحون ومكهرب.وفي حادثة أخرى بقطاع النقل أيضا، وتحديدا على مستوى محطة “آغا” بالعاصمة، لم يقتصر الأمر على سوء الاستقبال، وإنما تطور إلى تعرض مواطن إلى الضرب والشتم والسبب عدم تسديد تذكرة السفر لأنه لحق بالقطار وهو على أهبة الانطلاق، مما اضطره الركوب مباشرة دون المرور على شبابيك التخليص.وبمجرد وصول القطار ونزول الركاب واجتيازهم على مركز المراقبة، اكتشف أحد أعوان الأمن عدم حيازة المواطن للتذكرة، فلم يباشر معه إجراءات تعويض التذكرة بسعر مضاعف كما هو معمول به، وإنما قام بتوبيخه وشتمه أمام الجميع دون أن يترك له الفرصة لإقناعه بأن تصرفه راجع إلى خوفه من أن يفوته القطار ولم يتمكن من اللحاق بمقر العمل .. تسارعت الأحداث وتطورت إلى اعتداء شارك فيه بعض أعوان الحراسة استدعت تدخل رجال الأمن وتحويلهما إلى المركز تمهيدا لفتح ملف قضائي.مرغم أخاك لا خيار لهاضطرت عائلة وهي في طريقها لزيارة قريب مريض للتوقف بمحطة الوقود والخدمات “الدهرة” على مستوى الطريق السيار شرق غرب ببوقادير للاستراحة من عناء السفر وتناول وجبة الغداء، فقابلهم عند الدخول مرفق ذي مواصفات عصرية بمظهر خارجي راق، مجهز بمتجر ومصلى ومراحيض ومقهى، وما إن شرعوا في طلباتهم حتى تفاجأوا بخدمات رديئة ومعاملة لا تعكس ذلك المظهر الخارجي. فبعض الموظفين لا يصغون إلى طلبات الزبائن باهتمام، يروي أحد أفراد العائلة متسائلا “ماذا سيخسر هؤلاء إن رسموا على وجوههم ابتسامة أثناء تعاملهم مع الزبائن تجعلهم محبوبين عندهم، أم أنهم يعرفون جيدا أن المواطنين مرغمين على التردد عليهم والتعامل معهم، داعيا القائمين على المحطة إلى تكوين عناصرهم وتدريبهم على التعامل مع المواطنين فذلك في صالح الجميع ولا يتطلب أموالا وإنما يضاعف في المداخيل.  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: