38serv

+ -

تمر العلاقات الجزائرية السعودية بأزمة حقيقية، بلغت أوجها بمناسبة زيارة وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، الأسبوع الماضي، بعدما أصيبت بالجمود طيلة الفترة الماضية بسبب وجهات النظر المتباعدة حول العمل العربي المشترك والطاقة وقضايا إقليمية. إلى غاية الأربعاء الماضي، كان الحديث عن فتور في العلاقات بين الجزائر والرياض ضربا من ضروب الخيال، بحكم العلاقات الشخصية التي يحتفظ بها رئيس الجمهورية مع قادة دول منطقة الخليج العربي، لكن في الميدان والكواليس الأمر مختلف تماما، وأصبح الكثير من المتابعين للعلاقات بين أكبر بلدين في المنطقة العربية يتحدثون أزمة بينهما، بتأثير من تباين المواقف حول ما يدور في سوريا واليمن.تبني الجزائر مواقفها المثيرة للجدل في المنطقة العربية على مبدأ عدم التدخل في القضايا الداخلية للدول الأخرى، وإن تحتم الأمر، فيكون من منطلق البحث عن الحلول السلمية وجمع الشمل والحوار، بعيدا عن لغة السلاح وتكريس الفرقة.وما زاد في حدة الأزمة بين الجزائر والرياض، تباين المصالح الاقتصادية وبخاصة في المجال الطاقوي. فالجزائر التي تتفق مع أغلبية منتجي النفط والغاز على ضرورة إعادة التوازن للسوق، بخفض الإنتاج مثلما حدث من قبل، تحمل السعودية مسؤولية اختلال السوق، الذي يعود عليها بأزمة خانقة في الموارد التي تمثل 98 بالمائة من إيرادات الميزانية وتمويلات المشاريع الإنمائية التي جمدت، ناشرة معها قلقا اجتماعيا ومسببا إرباكا للحكومة.لكن وراء هذا الكلام، توجد الكثير من نقاط الاختلاف والخلاف، تجسدت في تصرفات دالة على ذلك. فرغم الزيارات الخاصة لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن نايف، لصحراء الجزائر، فإن التيار لا يمر بين البلدين سياسيا، علما أن هذا الأخير يسير على درب والده الراحل وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز، من باب الحرص على علاقة قوية مع الجزائر. غير أن “احتضان” مجلس التعاون الخليجي للمغرب في خضم ثورات الربيع العربي ودعمه في شتى المجالات، كان بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، وسقطت محاولات “تطبيع العلاقة” في الماء.أول المؤشرات على هذه الأزمة، حسب المتابعين، رفض الرئيس بوتفليقة استقبال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، الذي زار الجزائر لساعات قليلة في نهاية ديسمبر الماضي، واكتفى بمقابلة نظيره رمطان لعمامرة، واستقبال من طرف الوزير الأول عبد المالك سلال. وجرت العادة أن يستقبل بوتفليقة ضيوف الدولة، خاصة وأن الزيارات تتم بعد تحضيرات تستغرق أشهرا في أغلب الأحيان !وفي هذا الصدد، تضمنت تصريحات لعمامرة، عقب جلسة مباحثات مع الجبير، رسائل مشفرة حول الملفات الخلافية، أهمها عدم تأثير الرسالة التي بعث بها الرئيس بوتفليقة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في فيفري 2015، حول وضعية سوق النفط وضرورة التعاون لإعادة التوازن إليها لما لها من تداعيات سلبية على أوضاع أعضاء منظمة أوبك التي عليها حمايتهم أولا.وقبل رمطان لعمامرة، فجر الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، قنبلة بإقحام نفسه في شأن دولي، بهجوم على السعودية، متهما إياها بـ”التآمر بمعية الولايات المتحدة الأمريكية ضد الجزائر من خلال ضرب أسعار البترول”.فقد جاء على لسان سعداني أن “الجزائر لا يمكن أن تضعف أمام هذا المخطط الذي ترعاه أمريكا وتدعمه السعودية”، وذلك ردا عل تقارب الجزائر وإيران، بالإضافة إلى رفضها التحالف العربي في اليمن.وليست هذه المرة الأولى التي “يدخل” سعداني منطقة محتكرة من طرف الدبلوماسيين، عندما أصدر بيانا لا يصدر إلا في حالة الخلاف الكبير وعن وزارة الخارجية أو الوزارة الأولى أو رئاسة الجمهورية، لإعلان لقاء جمعه بسفير المملكة العربية السعودية، سامي الصالح، مع التركيز على عبارة “بطلب منه”، التي تؤشر عند الدبلوماسيين على خلاف بين الطرفين وأن مستعملها لم يكن متحمسا لأي لقاء !كما أن قيادة الأفالان لم تستعمل هذه العبارة مع السفراء الأجانب، الذين استقبلهم سعداني لحد الآن، علما أن الرياض استبقت هذه “المشاهد غير اللائقة” بالعلاقات بين البلدين، بتعيين الدبلوماسي سامي الصالح للعودة إلى الجزائر بصفته سفيرا يحتفظ بعلاقات قوية مع الكثير من المسؤولين الجزائريين، من أجل إزالة الفتور وتفادي استمرارها.وفي الأسبوع الماضي، جاءت زيارة الوزير السوري للخارجية، وليد المعلم، واستقباله من طرف رئيس الجمهورية، شيء لم يحدث مع رئيس الدبلوماسية السعودي، وهو ما يؤكد على أن الخلافات تتجاوز مسألة النفط والطاقة، وتطبيعها لن يكون سهلا في ظل استمرار الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة العربية على ما هي عليه واستمرار لغة الاستقطاب بين أجنحتها الشرقية والغربية.وقال حسني عبيدي، مدير مركز الأبحاث حول العالم العربي والمتوسط بجنيف، لـ”الخبر”، إنه “من المؤسف أن تصل العلاقات بين دولتين مهمتين في النظام الإقليمي العربي إلى مستوى لا يليق بهما”، مضيفا أن “التصريحات الجزائرية غير موفقة لأنها تخدم مصالح دول أجنبية هدفها عزل الجزائر عربيا وإسلاميا”، كما يرى عبيدي أنه “إذا كانت إيران بقوتها تجنبت التصعيد مع السعودية، فلماذا تصعد الجزائر؟”، ليؤكد أن “الجزائر تعثرت في مواكبة موجة التغيرات في ليبيا وتونس وفي منطقة الساحل، ولعب دور أساسي لصالح دول أخرى. لم تستثمر الجزائر سياسيا الجهد العسكري الجبار الذي تقوم به من أجل تأمين الحدود مع تونس وليبيا، أي أنها مازالت أسيرة عقيدة دوغمائية لا تتلاءم مع الساعة”.ويعتقد عبيدي أنه “من حق الجزائر أن تخالف السعودية في قضايا إقليمية، ومن حق الجزائر أن تدافع عن مصالحها العليا داخليا وخارجيا، لكن في صمت وهدوء. الجزائر مؤهلة أكثر من غيرها للعب دور الوسيط النزيه في ليبيا وبين إيران والسعودية، بدل الركض وراء تصريحات لا تتجاوز الاستهلاك الداخلي”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات