تأمّــــــــــلات في ســـــــورة الجـــــــــــــــــن

+ -

 يقول الأستاذ راتب النابلسي: اعتقادات النّاس في الجنّ: إنّ من النّاس مَن تطرّف في إيمانه بالجنّ، فآمن بقدراتهم الخارقة على أساس أنّهم يعلمون الغيب، فينفعون ويضرّون ويعطون ويمنعون، كما أنّ هناك مَن تطرّف فنفى وجود الجنّ، لكن الحقيقة تقع بين أن تنفي وجود الجنّ وبين أن تعتقد بقدراتهم الهائلة، فقد زعم كفّار قريش أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم تُعَلِّمُه الجنّ، فهو يستقي علمه منهم، بل إنّهم جعلوا بين الجنّ وبين اللّه نسبًا، فهم يزعمون أنّ اللّه تزوّج من الجنّ وأنجب الملائكة، وهذه كلّها أفكارٌ وخرافاتٌ وخزعبلاتٌ وأوهامٌ وأساطير تروى عن الجنّ في الجاهلية، فجاءت هذه السّورة لتضع لتبيّن حدود هذه المخلوقات. لقد كان العربي في الجاهلية إذا سار وحده، أو دخل واديًا، أو قطع مفازةً يستعيذ بعظيم الجنّ الحاكم، ويقول: أعوذ بسيّد هذا الوادي من سفهاء قومه، فيعتقد بعد ذلك أنّه إذا باتَ بات آمنًا لأنّه استعاذ بالجنّ، فقد ألَّه هؤلاء الجنّ وهذا تطرُّف وشرك، كما أنّهم كانوا يعتقدون أنّ الجنّ تعلم الغيب وتنبّئ الكُهّان به، فإذا أتوا كاهنًا عرفوا الغيب من خلاله، لأنّ الجنّ تعلِّم الكُهّان، أمّا الكهّان فهم ينبئون بني آدم. لقد جعلوا بين الجنّ وبين اللّه نسبًا، فكانوا يعتقدون أنّ للّه عزّ وجلّ زوجةً من الجنّ أنجبت الملائكة، فالملائكة بنات اللّه، وقد ذكر القرآن فعلهم هذا، وما هذا إلّا ركامٌ وخرافاتٌ وضلالاتٌ وأساطير ما أنزل اللّه بها من سلطان. وقد جاءت هذه السّورة لتضع حدًا لكلّ هذه الأوهام والخرافات والأساطير، وإذا كان هذا اعتقاد الجاهليين، فهل تفاجأون إذا علمتم أنّ في مجتمعاتنا الإسلامية جماعاتٌ كثيرة تؤمن بأنّ الجنّ عندهم قدرات خارقة، وأنّهم يعلمون الغيب، وأنّ بإمكانهم أن يوفقوا بين الزّوج وزوجته وأن يفرّقوا بينهما، وقد جاءت هذه السّورة لتنفي الشّرك والأضاليل والتخرّصات والأكاذيب، فهذا كلّه يجب أن ينتهي بعد أن يوضّح الوحي حقيقة الجنّ.

فهناك الكثير من النّاس اليوم مَن يعتقد بقدرة الجنّ على فكّ السّحر، كما أنّهم يتوهّمون أنّهم يستطيعون أن يخرجوا الجنّ من الإنسان، وقد يكون هؤلاء من بعض المثقفين، وقد يكونوا للأسف الشّديد من بعض رواد المساجد، فنجد هؤلاء يلجأون إلى أشخاص من أجل ذلك، وأنا لا أنفي هنا أن هناك علاقةً بين الجنّ والإنس، إنّ هذه العلاقة موجودة، لكنّها غير مشروعة إطلاقًا، لأنّ اللّه عزّ وجلّ في كتابه والنّبيّ عليه الصّلاة والسّلام في سنّته لم يسمحَا لنا أن نقيم علاقةً مع الجنّ، أمّا الّذين أقاموا علاقةً مع الجنّ فقد أُرهقوا وأُتعبوا ولم يجنوا من هذا العمل شيئًا.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: